بعيدا عن الدبلوماسية والشعارات الجوفاء وحديث العواطف،لا بد لنا أن نعترف بظاهرة ألمت بنا خلال سنوات المساعي السلمية والمراوحة التفاوضيةوعالم الانقسام الفلسطيني المشؤوم ألا وهي عزوف أبناء جالياتنا في الشتات عن العملالسياسي ودعمهم لمنظمة التحرير بصورة كبيرة وتراجع حضورهم السياسي رغم ازدياد وتصاعددور اللوبيات اليهودية ودور جاليات الأقليات الأخرى في دول العالم على اختلافها. 

فبدت الأمور وكأن ارتباط اليهود بأرض الميعاد لم يعراهتماما لتغير الخارطة السياسية في إسرائيل وتبدلها وتراجعها من حيث الدعم للمشروعالصهيوني باعتبار أن هذا المشروع هو أكبر من أقزام السياسة، بينما بدا الفلسطينيونفي المهجر وهم الذين لا ينازعهم أحد في ولائهم للوطن أكثر عتبا على عالم السياسة والسياسيين،فغزاهم العزوف والنفور وحتى الابتعاد الكلي والهجرة المعنوية لعالم السياسة والنضالالشعبي. 

واستمرار هذا الحال سيؤدي إلى انتقال العزوف إلى الأبناءوالأحفاد بصورة تهدد الدور الواجب لعبه في ساحات الشتات لخدمة الوطن وفي فكرة التأثيرالسياسي المحلي وحتى الزيارة الدورية لفلسطين والمشاركة في الفعاليات التضامنية وحملاتالمقاطعة الاقتصادية والسياسية ودعم المقاومة الشعبية السلمية التي أسندت وبشكل أوسعللمتضامنين الأجانب. 

فيقال بأنك ما أن تسأل فلسطينيا ما في الشتات عن الحالفي الوطن إلا وبدأ بالتعبير عن انزعاجه من صراع الفصائل أو اختلافه مع أداء القيادةالسياسية أو احتجاجه على مواقف سياسية هنا أو هناك أو حتى عن تراجع دور المنظمة ورفضهللتفاوض وإصراره على المقاومة والاستشهاد بقصص الفساد للتدليل على أسباب الاحتجاج.ناهيكم عن التأثر بعالم التجاذبات والتنافرات السياسية ودورها في إحداث تشققات وانقساماتبين أبناء جالياتنا وشعور كبير بالعدائية والحساسية وحتى القطيعة. 

ولو كان عالم السياسة مريرا بهذه الصورة فإن جهود الشتاتالأكثر تشددا وتصلبا في مواقفه وعواطفه تجاه الوطن يجب أن تكون أكثر قدرة على التأثيربعقلانية ومنطقية على الأمور فيصبح الشتات وبجدارة الجسم المنظم للعمل السياسي الفلسطينيبل والأكثر قدرة على التأثير في المشهد السياسي الفلسطيني داخليا والمشهد السياسي فيدول اللجوء والشتات. 

فتسييد الوطن على عالم السياسيين وخدمة المشروع التحرريبغض النظر عن تقلبات السياسة وتغليب سياسة العمل الشعبي لمواجهة حروب الجغرافيا والديمغرافياالتي تمارسها إسرائيل لهو أمر أكبر وقعا وأثمن دورا من الانفكاك أو الطلاق المعنويالقائم، فالوطن ليس أشخاصا وليس وجوها. الوطن هوية وعنوان وكرامة غريزية لا يهب حبهاأحد ولا ينزعها أحد لا بقرار شخصي أو فصائلي. 

لذا فإن التصالح مع جالياتنا يرى البعض بأنه ربما يحتاجلاستحداث وزارة لشؤون المهجر تهتم بهذا الشأن ويرى آخرون بأن الحل الأكبر يأتي من خلالحملة فلسطينية فلسطينية تعزز تواصل الساسة مع الجاليات في كل مرة يحطون رحالهم في دولةما وتوسيع هذه الدائرة وضمان التواصل الفعلي بغض النظر عن تباينات المواقف إضافة إلىدعوة أعداد منظمة من إخوتنا في الشتات وأبنائهم لزيارات دورية للوطن ضمن حملات تستهدفنقل الخبرة والمعرفة التي يمتلكها هؤلاء لنظرائهم وأقرانهم في حقول مختلفة. 

أيا كانت الحلول والمقترحات فإن القطيعة مع الشتات يجبأن تنتهي ليس فقط من خلال مؤتمرات الجاليات بل أيضا من خلال تجسيد ثقافة الولاء للوطنلا للأشخاص أو الفصائل وأن الانتماء والهوية ليسا منة من أحد بل هما حقان غريزيان لهمااستحقاقهما وواجبهما!

فلا يعقل أن يقود المتضامنون الأجانب الحملات الشعبيةالمختلفة لنصرتنا بينما يبقى أهلنا في الشتات أسرى انقساماتنا وإخفاقاتنا! فهل وصلتالرسالة؟