بعد إعلانها الأول والخجول فشل مساعيها مع إسرائيل لتأمين بيئة مناسبة لاستئناف المفاوضات، يترتب على الإدارة الأميركية أن تعلن طرحها وبلغة فصيحة واضحة، عن عجزها التام وتوقف تلك المساعي عن البحث والمتابعة لتحقيق سلام الشرق الأوسط.
لم يكن العرب ومن بينهم الفلسطينيون هم من ألحق الهزيمة وتسبب بالكثير من الإهانات لإدارة الرئيس باراك أوباما، بل هي الإدارة الديمقراطية هزمت نفسها، وهزمتها حليفتها إسرائيل وأذرعها في المؤسسة الأميركية. هذه هي أميركا لمن لم يكن يعرفها، ولمن يراهن على دور مستقل لها، إزاء واحد من أصعب وأهم وأخطر الملفات، الذي يتصل بمصالحها، ويتصل بدورها ومكانتها الدولية.
لا يحق للأميركيين مواصلة التبجح، على أن دولتهم هي الأعظم، والأقوى، والأقدر على صياغة حاضر ومستقبل البشرية، فلا القوة العسكرية الهائلة التي تمتلكها، ولا ادعاءاتها لنفسها، قادرة على إضفاء قيم ليست لها. لقد هزمت الولايات المتحدة في حربها المدمرة على العراق، وهزمت في أفغانستان، وفي الباكستان وتهزم كل يوم أمام قوى وجماعات وشعوب صغيرة، ومحدودة الإمكانات. وها هي أيضاً تتراجع اقتصادياً تحت ضربات أزمة بنيوية خانقة.
يترتب على الديمقراطيين الذين يحكمون في الولايات المتحدة أن يعترفوا بالهزيمة وبأنهم يمرغون أنف بلادهم في وحل التطرف والتدخل الإسرائيلي السافر في أوضاعهم الداخلية، ويترتب عليهم أن يسلموا مسبقاً بهزيمتهم حين يأتي موعد الانتخابات الرئاسية بعد عامين.
وهزم الأميركيون الأوروبيين أيضاً، الذين يقررون أنهم لا يرغبون في تصعيد دورهم السياسي، ليحل أو يتوازى مع الدور الأميركي، ويفضلون مواصلة سياسة التذيل للولايات المتحدة رغم إدراكهم عجزها، ورغم إدراكهم أن المفاوضات لم تعد سبيلاً أكيداً لتحقيق السلام في هذه المنطقة الحساسة من العالم.
سيناتور ديمقراطي هو من تقدم إلى الكونجرس الأميركي بمشروع القرار الذي صدر ليل الأربعاء ويدين أي إعلان أو اعتراف أحادي الجانب بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران العام 1967، ويدافع عن حل تفاوضي للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. القرار الذي تقدم به السيناتور الديمقراطي هاورد برمان يؤكد مجدداً الدعم القوي لحل تفاوضي للنزاع الفلسطيني- الإسرائيلي من أجل دولتين الأولى ديمقراطية هي دولة إسرائيل اليهودية، والثانية قابلة للاستمرار هي الدولة الديمقراطية الفلسطينية.
بإمكان إسرائيل أن تحتفل بما حققته وتحققه حكومتها من إنجازات، فهي تواصل نشاطاتها الاستيطانية بكثافة غير مسبوقة، وهي تلحق بالإدارة الأميركية هزيمة نكراء دون أن تتوقع أي عقوبات، وهي تلحق أيضاً هزيمة بالمراهنين على حل يأتي من الولايات المتحدة، وهي أيضاً تكسب اعترافاً أميركياً على أنها دولة يهودية.
لا فائدة إذاً من تأكيد الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، عزمهما على متابعة الجهد من أجل حل تفاوضي، فلقد ذهبت المفاوضات ومنطقها أدراج رياح العجز، والتطرف الإسرائيلي.
كان الأمر سيكون مختلفاً لو أن حال العرب والفلسطينيين غير هذا الحال من العجز والهوان الذي يقعدهم عن توظيف أوراق قوتهم لإرغام الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، على اتخاذ مواقف وإجراءات فاعلة لمواجهة التعنت الإسرائيلي.
بعد مسلسل من التراجعات، والفرص التي قدمتها للولايات المتحدة، لجنة المتابعة العربية، كان عليها أن تتوقع النتيجة التي وصلت إليها متأخرة، وهي أن طريق السلام مسدود بفعل أميركي- إسرائيلي.
في الواقع فإن قرار لجنة المتابعة برفض المفاوضات المباشرة وغير المباشرة طالما استمر الاستيطان، جاء متأخراً كثيراً، والتأخر هو سمة من سمات القرار العربي، تدفع ثمنه شعوب المنطقة. إن القرار الصحيح في الوقت الخطأ، هو قرار خاطئ بامتياز، ولا يعدو كونه شهادة براءة ذمة لا تنفع صاحبها. على أن قرار لجنة المتابعة يطرح على المجموعة العربية تساؤلات مهمة، بشأن الخيارات وأشكال ووسائل متابعة بعد الصراع حتى على خلفية البحث عن السلام بوسائل سلمية، ماذا يعني موافقة لجنة المتابعة العربية على دفع ملف الاستيطان إلى مجلس الأمن الدولي، فيما هم يعرفون أن الفيتو الأميركي يقف ليسد كل المنافذ؟
القصد هنا أن الوضع يستحق عقد قمة عربية طارئة، أو اجتماع عربي موسع على مستوى وزراء الخارجية، لاتخاذ قرارات، ترتقي إلى مستوى التحديات التي يفرضها غياب الأمل في تحقيق السلام.
خلال زيارته الأخيرة للولايات المتحدة ومن هناك كان العاهل الأردني قد حذر بصريح العبارة، أن فشل مساعي التسوية، من شأنه أن يؤدي إلى اندلاع حروب في المنطقة، والكل يعرف تماماً أن إسرائيل تسعى وراء الحروب وتستعجلها.
ويقف الجهد الأميركي مرةً أخرى في طريق الحملة الفلسطينية التي بدأتها منظمة التحرير الفلسطينية من أجل الحصول على اعتراف دولي واسع بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967، كما فعلت حتى الآن كل من البرازيل والأرجنتين وبوليفيا.
ولكن وعلى الرغم من سلبية الموقف والدور الأميركي سواء في مجلس الأمن أو على مستوى التأثير في مواقف دول أخرى ترغب في أن تحذو حذو الدول التي تعترف بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967، إلا أن الأمر يستحق المتابعة، وبقوة دفع عربية واضحة، لا أن يترك الفلسطينيون وحدهم في الميدان.
في هذه المعركة ينبغي على الفلسطينيين أن يستعيدوا حقهم وقدرتهم على المبادرة لقيادة الموقف العربي، ولكن عليهم أن يقدموا رؤية متكاملة لاستراتيجية شاملة جديدة، تعمل على خط انتزاع الحقوق وليس توسلها.
في دائرة البحث لا بد من الإشارة إلى أهمية المصالحة الفلسطينية، كمقدمة لحوار فلسطيني شامل، يفضي إلى توافق وطني جامع على الاستراتيجية والخيارات والأولويات والوسائل والآليات.
ويترتب على الفلسطينيين أن يمسكوا بقوة بحبل العمل العربي الجماعي، وأن يبحثوا في الوسائل التي تكفل استمرار العرب وجديتهم في المتابعة، ذلك أن من أبسط الأمور، أن نتوقع انكفاء لجنة المتابعة العربية، والتوقف عن عقد اجتماعاتها على النحو الذي لاحظناه خلال العام المنصرم، فالهروب هو أسهل الحلول أمام صعوبة الموقف، والموقف صعب إلى حد كبير.
هكذا فإن المعركة السياسية القادمة للفلسطينيين والعرب هي مباشرة مع الولايات المتحدة التي تواصل دعمها لإسرائيل ظالمة أو مظلومة، وبعد أن تهشمت منظومة القيم الأميركية، التي لا تزال تتواطأ مع الإجراءات والسياسات الإسرائيلية المدمرة أحادية الجانب وتتصدى لحق فلسطيني تقرره الغالبية العظمى من دول العالم.