سلوك المواطن والمناضل

         يعتبر سلوك المناضل أو المواطن ( في مصلحته) أو الموظف في عمله أو كادر التنظيم في إطاره انعكاسا للمؤسسة التي يعمل بها ، وهذا يتطلب تعزيز السلوك الإيجابي والحد من السلبي وتطوير القدرات الذاتية لديه من خلال تعزيز مفاهيم الانتماء والتراتبية والانضباط .

       فرجل الأمن (على سبيل المثال) الذي يتولى مسؤولية تطبيق القانون وتوفير الأمن للمواطن والممتلكات والحفاظ على كرامة واحترام الجماهير ، يجب أن يكون القدوة التي يحتذى بها من قبل الجماهير ، وهذا ما يستوجب رصد سلوك ( المنتمي والموظف الملتزم والمناضل....) ورجل الأمن لما له من خصوصية كونه محكوم بقيود وضوابط إدارية وأكثر إدراكا لأهمية تطبيق القانون وكون الخطأ الذي يرتكبه قد يترتب عليه ما لا يترتب على نفس الخطأ الصادر عن المواطن العادي.

        يرتبط السلوك الإنساني بشكل عام بعدد من المعايير التي تختلف من مجتمع إلى آخر والتي تؤثر على نشأة الفرد وممارساته اليومية كالقيم والعادات والتقاليد .

فالقيم – هي جمع قيمة – هي كل ما يعد جديرا باهتمام الفرد وعنايته ونشدانه ، لاعتبارات اجتماعية أو اقتصادية أو سيكولوجية(نفسية) ، وغيرها ، وهي أحكام مقتبسة من الظروف الاجتماعية التي يعيشها الفرد ويحكم بها وتحدد مجالات تفكيره وسلوكه وتؤثّر في تعلمه .

     فالصدق والأمانة والشجاعة الأدبية والولاء وتحمل المسؤولية كلها قيم يكتسبها الفرد من المجتمع الذي يعيش فيه ، وتختلف القيم باختلاف المجتمعات والجماعات الصغيرة أيضا   

تصنيف القيم :-

       لقد صنف العديد من علماء الاجتماع والفلاسفة القيم حسب أهميتها لدى كل واحد منهم ، فمنهم من أبرز جانبا على آخر وقدم قيمة على أخرى ولعل تصنيف البورت ( Albort) يعتبر مثالا مع ذلك فقد صنف القيم إلى خمسة أقسام هي :-

1- القيم النظرية    : وهي المدخل العقلاني لاكتشاف الحقائق

2- القيم الجمالية    : وهي القيمة العليا التي تعني بالشكل والتناغم

3- القيم الاجتماعية  : وهي القيمة العليا لمحبة الناس

4- القيم السياسية   : وهي التي تؤكد اكتساب السلطة والنفوذ

5- القيم الدينيــة  : وهي التي تهتم بفهم الكون  

كما يمكن تقسيم القيم إلى : -

 

1)   قيم ايجابية وهي القيم التي تدعم التنمية والوحدة الوطنية ويجب تدعيمها ، مثل تحمل المسؤولية ، والأخلاق المهنية والالتزام والانضباط واحترام الغير ، والتعامل المهني ، والإنتاج والإبداع والشرف والأمانة والشجاعة والمواطنة والمسؤولية .

2)   قيم سلبية ينبغي عدم تشجيعها لأنها تقف عقبة في طريق تنمية المجتمع ، مثل الانعزالية والتواكل ، عدم احترام العمل اليدوي ، عدم تقديس العمل كقيمة ، التمسك بما هو قديم دون تمييز ، محاربة الجديد ، عدم الاعتراف بأهمية دور المرأة ، عدم تقدير الوقت ، وعدم تقدير المسؤولية والإسراف في الاستهلاك ، وعدم المشاركة الايجابية .

      وبشكل عام فإن القيم تتصف بالثبات النسبي وتظل تقاوم من أجل البقاء  ومنها ما هي وافدة تتسرب سرا وعلنا في عهدنا الحاضر ، وتعتبر القيم الدافع الإيديولوجي الذي يؤثر على أفكار الفرد وأفعاله ، ويدفعه للتصرف بصورة ايجابية أو سلبية ، ولكل قيمة من القيم محتوى وشدة ، وترتيب القيم حسب أهميتها يعطينا نظام القيم في هذا المجتمع .

       ويعرف محتوى القيمة بأهمية السلوك في حالته النهائية منذ الوجود أما شدتها فهي التي تحدد مدى أهمية القيمة . وتعتبر التربية وسيلة الجماعة في المحافظة على قيمها الأساسية وتغيير ما يحتاج منها إلى التغيير بتعديله وتطويره ، وتبديله من خلال :-

1-      الأسرة ، ثقافة الوالدين

2-      المدارس ، مناهج ومقررات ومعلمين

3-      وسائل الإعلام المختلفة

4-      الخبرات الخاصة ، كالعيش في بيئة خاصة أو الانتماء إلى جماعة معينة .

     ونظام القيم في فلسطين مشترك ما بين نظام القيم العربية ونظام القيم الإسلامية، فالفلسطينيون متفقون على قيمة وحدة وبناء فلسطين لكنهم ربما يختلفوا في الطرق المؤدية إلى إقامة دولة تجمعهم كأن تكون عربية أو إسلامية ، اشتراكية ليبرالية ، ديمقراطية، علمانية، ليبرالية ....الخ

  

أساليب تكوين القيم :-

تتلخص أساليب تكون القيم في أي مجتمع فيما يلي :-

1-      الإقناع العقلي

2-      الثواب والعقاب

3-      القدرة 

 

تاريخ القيم في فلسطين

         استند نظام القيم في فلسطين إلى عدة عوامل أفرزت مجموعات من القيم المختلفة والمتباينة في قوتها داخل المجتمع الفلسطيني فقد برزت قيم معينة في حقب مختلفة واستبدلت أو تعززت في حقب أخرى وبشكل عام فإن نظام القيم في فلسطين هو محصلة للعديد من القيم والتي أهمها :-

1-      نظام القيم العربية التي تستند إلى القبلية

2-      نظام القيم الإسلامية

3-      القيم الوافدة التي نجمت عن تفاعل المجتمع الفلسطيني مع  المجتمعات الأخرى أو بسبب الغزوات الأجنبية لفلسطين .

4-      القيم العملية وهي مجموعة قيم اقتصادية واجتماعية وسياسية أنتجتها حياة المجتمع في عهود الإقطاع.

5-      مجموعة القيم الوطنية أو قيم التحدي التي تعززت في مراحل الاستعمار والاحتلال للحفاظ على الهوية والأرض .

     فقد عرفت فلسطين غزاة كثر حاولوا فرض قيمهم أو وجودهم وكان نجاحهم جزئيا ومؤقتا ، وهذا ما عرف بالقيمة الوافدة، ولعل أبرز مثال على ذلك في وقتنا الحاضر هو الديمقراطية بالمفهوم الغربي ، والإسراف في الاستهلاك والفردية ( الليبرالية ) .

     وفي فلسطين شأنها شأن الدول العربية الأخرى بقيت القيم العربية قائمة إلى جوار القيم الإسلامية وقيم الحياة العملية في حالة تعاون أو تنافس فيما بينها جميعا، ولم تتمكن التغيرات التي وقعت في فلسطين والأقطار العربية الأخرى من إبعاد القيم العربية أو الإسلامية.

      فالقيم العربية تمثل نظام متكاملا وتعود إلى فترة ما قبل الإسلام ، وتستند في أسسها إلى العصبية القبلية ، والقيم الإسلامية تؤلف نظاما متكاملا يشمل مختلف جوانب الحياة الإنسانية ، ومن الممكن تبيان معالم هذا النظام ومكوناته ومستوياتها والعلاقات القائمة بينها بالرجوع إلى القرآن الكريم والحديث الشريف ودراسات مفكري الإسلام في مختلف العصور ويشتمل نظام القيم في الإسلام على قيم فردية كالصبر والعفو والصدق والحلم والعفو , وغيرها مما يمكن أن يستلهمه المسلم من أسماء الله الحسنى ، وعلى قيم اجتماعية كالمساواة والعدل والرحمة والوفاء وغيرها ، وعلى قيم سلوكية تفصيلية كالاستئذان في دخول الأبواب وتأدية التحية والقول الحسن وعدم السخرية من الآخرين ، وتضاف الأمثال إلى نظام القيم في المجتمع الفلسطيني ، والأمثال هي عمل كلامي يدعو إلى التحرك، وفي اعتقاد الذين يصدر عنهم أنه يؤدي إلى أقوى أنواع التأثير في مجرى الأمور وفي السلوك الإنساني ... وهي نتيجة الخبرة الواقعية ، ومصبوغة من ألفاظ شفوية عامية بليغة ووجيزة قائلها مجهول النسب .وتتناول الأمثال قيم التنمية والعمل والتعليم والوطن والبيئة والمرأة والأسرة والتربية . 

القيم والوطن الفلسطيني

        يحتل الوطن حيزا كبيرا من القيم في حياة الفرد يمكن التعبير عنها بتقديس الأرض ، والانتماء للتراث التاريخي والوحدة الوطنية ، والتعددية والديمقراطية وتحمل المسؤولية واحترام الآخر ، والحوار والمساواة والإبداع والعقلانية والعدالة الاجتماعية وغيرها مما اشتمل عليه إعلان الاستقلال الفلسطيني.

      ويمكن تقسيم القيم إلى قيم غايات تتعلق بالأهداف الاستراتيجية للشعب كالحرية والعدالة والاستقلال، وقيم وسائل تتعلق بأساليب وطرق تحقيق الأهداف المنشودة .

المسلكيات في الحركات الثورية

      تعتمد الحركات الثورية بخطوطها الجماهيرية , والسياسية والتنظيمية والعسكرية مع قناعتين راسختين هما :-

أولا : الإيمان بحتمية النصر

ثانيا : الاستعداد الدائم للتضحية

      وهما قناعتان رئيسيتان تحددان اتجاه سلوك العضو في الحركة ، ويرتبط سلوك الفرد بمدى التزامه بهاتين القاعدتين ، وتعتبر ممارسة العضو المتناقضة مع قناعاته التي تحددها النظرية خطأ مسلكيا يحتاج إلى التصحيح الذي يتطلب نقد العضو لذاته ولتصرفه عكس قناعاته ونقد الآخرين لتصرفه . وتبرز في الحركات الثورية مسلكيات انتهازية وتخريبية تؤدي ممارستها إلى تقويض الحركة الثورية سياسيا وتنظيميا وعسكريا .

 

وتنقسم المسلكية التخريبية إلى :-

1-      مقصودة

2-      غير مقصودة ( تمارس عن جهل )

      ويختلف أسلوب معالجة الحالتين فالمقصودة يجب أن تواجه بالمسلكية الثورية ،أما المسلكية الانتهازية فهي ناجمة عن خلل في القناعتين الرئيسيتين مثل انتماء عضو نتيجة انتصار آني لجني مكاسب شخصية وغير مستعد لدفع الثمن .

وتقسم الانتهازية إلى يمينية وهي التي تساوم على الهدف في سبيل المنفعة الذاتية العاجلة ، ويسارية تزايد على الهدف العاجل في سبيل المنفعة الذاتية الآجلة .

      ويبرز في الحركات الثورية أعضاء يطلق عليهم (تطهيريين) وهؤلاء يتحولون إلى ثوار حقيقيين عندما يصلون إلى قناعة راسخة بحتمية النصر ، ويتصفون بالعجز عن استخدام المنهج العلمي لتحليل الأحداث ويتأثرون وتنتقل موافقهم من الحياد إلى الإيجاب لكنها لا تصل الانتهازية . ويمكن تلخيص المسلكية الثورية في المجال الجماهيري بضرورة التوجه الصادق والدائم للجماهير لتعميق العلاقة لها ، وترسيخ الإيمان بأن النصر آت .