كيف نقرأ استخدام الإدارة الأميركية "الفيتو" لمنع مرور مشروع قرار قدمته المجموعة العربية لمجلس الأمن، ووافقت عليه 12 دولة من اصل 15 في مجلس الأمن، لرفع تمثيل دولة فلسطين من دولة بصفة مراقب، إلى دولة كاملة العضوية في الجمعية العامة للأمم المتحدة ؟!.

الفيتو الأميركي يعني أن العقيدة الاستعمارية للولايات المتحدة الأميركية ما زالت المرجع الرئيس، لمنهج رؤسائها السياسي، المستنبط من عقلية (الاستعمار الاستيطاني) الراسخة منذ قرون، في أنماط تفكير وسياسات وثقافة معظم أعضاء السلطة التشريعية،  أي مجلس النواب المعروف بمسمى (الكونغرس)، كما يعني أن الحفاظ على المشروع الاستيطاني الاستعماري العسكري المسمى (إسرائيل) في أقصى درجات القوة الحربية الرادع، المعيار المعتمد لقياس قدرة واشنطن على التوسع والاستحواذ على مناطق نفوذ في البقاع الاستراتيجية من العالم. إما تبرير إدارة الرئيس بايدن القائل بأن القوانين الأميركية تمنع إدارته من الموافقة على القرار، فهو تعبير عاكس للتناقض الفج بين الحرية والعدالة والحقوق الأساسية والديمقراطية الأميركية، وبين السياسة الأميركية الخارجية وأفعالها المتعارضة مع حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، وعدوانها على الشرعية الدولية، ومخالفاتها الصريحة للقانون الدولي.

الفيتو الأميركي لم يكن مفاجئًا للعارفين بتفاصيل قرارات الدول الاستعمارية الكبرى لإنشاء منظومة الاحتلال الاستيطانية الاستعمارية (إسرائيل) منذ اقرار وثيقة كامبل سنة 1905 مرورًا بوعد بلفور (الأميركي جوهرًا وباطنًا – البريطاني ظاهرًا) سنة 1917، وصولاً للضغط الأميركي على الأمم المتحدة لقبول إسرائيل دولة عضوًا فيها رغم عدم  امتثالها لشروط  الشرعية الدولية منذ سنة 1949 حتى اليوم، على رأسها الاعتراف بدولة عربية فلسطينية حسب قرار التقسيم 181 لسنة 1947، والقارئين جيدًا لأبعاد أحداث وقعت ما بين هذه التواريخ المفصلية، وما بعدها، حتى يومنا هذا، ونعتقد في هذا السياق أن الرئيس أبو مازن، لطالما وجه أنظار الشعب الفلسطيني، وقيادة حركة التحرر الوطنية الفلسطينية، الى الحقيقة التاريخية، وهي أن المنظمة الصهيونية، كانت  اداة الولايات المتحدة الأميركية، للاستيلاء على الموقع الاستراتيجي الأهم في الشرق الأوسط (فلسطين) لضمان المصالح الأميركية، وبناء على أن واشنطن هي الآمر الناهي لمنظومة (إسرائيل)، وواضع بنود جدول مهامها الأساسية في المنطقة، والمقرر لطبيعة وشكل مستقبلها، فإن النضال الوطني الشعبي السلمي على ارض الوطن فلسطين، ليس بديلا عن نضال سياسي وقانوني ودبلوماسي لانتزاع الحق الفلسطيني، من الرأس المدبر للمؤامرة على الشعب الفلسطيني (الولايات المتحدة الأميركية )، والأمر ليس حديثًا كما يظن البعض، وإنما يعود لسنة 1855 عندما قرر القنصل الأميركي لدى الدولة العثمانية استيعاب يهود حول حائط (البراق) المسمى زورًا بالمبكى، للبدء ببناء مستوطنات لهم في فلسطين، فرفض اليهود الفكرة، فقررت حكومته – التي كانت خططت للاستيلاء على فلسطين - بإرسال أميركيين تحت غطاء ديني، لكنهم طلبوا من حاكم ميرلاند ارسال باخرة للعودة الى بلدهم  وكان ذلك!.

الفيتو الأميركي كذَب ادعاء البيت الأبيض وحديث بعض اركانه عن خلاف جوهري مع مكونات ائتلاف حكومة نتنياهو، كأحزاب الصهيونية الدينية، وشخصياتها العنصرية مثل بن غفير، وسموتيريتش، وأتى منسجمًا ومتفقًا معهما، ومع سياسة رئيس الائتلاف نتنياهو المعلنة بأن "الدولة الفلسطينية المستقلة تشكل خطرًا وجوديًا على إسرائيل"! فنتنياهو قال علنا لمنتقدي سياسته تجاه حماس قبل سنوات: "من يريد منكم رؤية دولة فلسطينية لا يسألني لماذا أسمح بإيصال حقائب الأموال لهم في غزة"!.

فالفيتو الأميركي الموجه 45 مرة ضد الحق الفلسطيني، ليس مجرد سياسة آنية، وإنما اسناد عملي لأفظع حملة تزوير للحقائق والوقائع التاريخية والأحداث اليومية على أرض وطننا فلسطين، شاركت فيها وسائل تثقيف واتصال وإعلام ولعبت دوراً خطيراً، ولعل أحدث مثال على ذلك مذكرة داخلية، من إدارة صحيفة نيويورك تايمز الأميركية لصحفييها "بتقييد استخدام مصطلحات وعبارات: "فلسطين" و"الإبادة الجماعية" و"التطهير العرقي" و "الأراضي المحتلة" و"مخيمات اللاجئين" عند وصف الأراضي الفلسطينية!.