يقال إن الطريق إلى جهنم معبدة أحيانًا بالنوايا الحسنة، وقد لا نتفق مع هذه المقولة، لأن النوايا الحسنة ليست ولن تكون أبدًا على أجندة أحابيل السياسة، وألاعيبها التي تدبر بليل، ولأن الجبل إذا ما تمخض وولد فأرًا، سنعرف أنه ما من نوايا حسنة البتة، في أحابيل السياسات الانتهازية، وخطاباتها الشعبوية، خاصة الحزبية، التي طالما كانت وما زالت تتحدث عن زلازل ستكون تحت أقدام المحتلين! 

ستة أشهر من العدوان الحربي الإسرائيلي الأبشع، والأكثر دموية في تاريخ إسرائيل الحربي، الذي لا يزال  متواصلاً على قطاع غزة، وعلى الضفة الفلسطينية، بتصعيد إرهابي خطير، ستة أشهر وما من  زلازل تحت أقدام المحتلين حتى الآن، من قبل أصحاب هذه الخطابات ومحورها المسمى محور المقاومة!

ستة أشهر ظلت خلالها عاصمة هذا المحور، تكيل المديح لطوفان الأقصى، وتصفق له من على شاشات فضائيات الخديعة، لكنها لم تغفل التنصل منه بذرائع سيادية، وهذا ما أصاب الجماهير  التي كانت تنتظر دخول المحور بقواته المزلزلة لساحة الطوفان، بخيبة الأمل، غير أن هذا لم يمنع الخطابات الشعبوية من مواصلة الثرثرة الثورجية.

والواقع أن أشهر العدوان الحربي الإسرائيلي الستة شهدت صفعات إسرائيلية عنيفة لعاصمة "محور المقاومة" آخرها كان ضرب القنصلية الإيرانية في دمشق، الذي أسفر عن مقتل أحد  أكبر قادة الحرس الثوري الإيراني، العميد محمد رضا زاهدي، ومعه خمسة ضباط آخرين من هذا الحرس، وهذا ما جعل طهران في موقف غاية في الحرج الثوري. لم يضعها العدوان الحربي الإسرائيلي على قطاع غزة أمام هذا الموقف، برغم تهليلها للطوفان، لكن ضرب قنصليتها فعل ذلك، فإما أن ترد بضربة من طهران، أو تلوذ بالحديث الدبلوماسي، وهذا ما لا يبقيها عاصمة لمحور التصدي "للشيطان الأكبر".

والحقيقة أن طهران لم تكن لتحتمل، الخيار الثاني، فقررت، بتعقل برغماتي في الواقع، الرد المحسوب بدقة سياسية بالغة، حتى أنها أبلغت واشنطن "أن هجومها على إسرائيل سيكون محدودًا، وفي إطار الدفاع عن النفس" كما صرح بذلك وزير الخارجية الايراني، الذي أضاف "لم نضرب أهدافًا سكنية في إسرائيل، وأعلمنا دول الجوار والمنطقة قبل 72 ساعة".

لا نعرف بالتحديد عدد الصواريخ والمسيرات التي أطلقتها طهران، باتجاه إسرائيل، لكننا بتنا نعرف أن معظمها سقط في الطريق، وأن لا واحدة منها أصابت إسرائيليًا واحدًا بمقتل صاروخ واحد نشر الحرس الثوري الإيراني صورته حمل اسم غزة على اعتبار أنه مساهمة طهران بالطوفان، لم يصل هذا الصاروخ لأي هدف يشار إليه بلبنان. والمغزى بعد كل هذا الكلام، أن دولة لديها برنامج نووي، وأسلحة من طراز حديث، ومصنعة للمسيرات، عدا الجيش العرمرم، والحرس الثوري، كان هذا هو ردها على ما ارتكبته إسرائيل بحقها بقتل العديد من قادتها.

لن نقول بنظرية المؤامرة، لكن ردا كان معلوما أنه سيكون قبل 72 ساعة، يلزم التبصر بطرح اسئلة الجدوى، والغاية، من وراء هذا الرد، بل وحقيقته التي لا نرى فيها شيئًا من المقاومة! ثمة من وصف ليلة أمس الأول بأنها "ليلة الفنكوش". والفنكوش كان خديعة إعلامية، عن منتج غير حقيقي في فيلم سينمائي كوميدي لعادل إمام، وثمة من تساءل "ماذا سيكتب التاريخ عن الذي يعلم عدوه بتوقيت هجومه"؟.

قد نعرف ماذا سيكتب التاريخ، ونعرف أهم ما سيكتبه أولا: ما من حكمة وتعقل شهده هذا الصراع، أكثر وأوضح من حكمة وتعقل القيادة الفلسطينية، في إطارها الشرعي، ومن خلاله، نحو تفعيل سبل وقف العدوان الحربي الإسرائيلي، وتحقيق انسحاب جيشه، من القطاع الذبيح، على قاعدة تأمين سبل الحل العادل الذي ينهي الاحتلال، ويقيم دولة فلسطين، من رفح حتى جنين، بعاصمتها القدس الشرقية.

بقي أن نقول إن دولة البرنامج النووي كان هذا هو مقدار فعلها الثورجي، فهل يدرك أتباع طهران في الساحة الفلسطينية الذين يحرضون على السلطة الوطنية، بذريعة غياب بنادقها عن ساحة الطوفان، وهم أدرى أنها بنادق بلا أي برنامج نووي، ولا أي مسيرات، ولا أي صواريخ كروز، وأرض أرض، وهل يدركون الأهم في المحصلة أن لا حضن لهم قادرًا على حمايتهم، غير حضن الشرعية، وحكمتها الوطنية التي تواجه الاحتلال الاسرائيلي بأجدى سبل المقاومة الشعبية، السلمية منها، والسياسية والدبلوماسية، والاجتماعية أيضًا بحرصها على تعزيز الحكم الرشيد، وقد أثمرت هذه السبل -وما زالت- حضورًا فاعلاً لفلسطين، قضية عادلة، لا بد من تسويتها على نحو عادل في مختلف المحافل الدولية. لم يعد ثمة ما هو غامض في هذا الصراع وأطرافه، فإما التعقل والحكمة والتبصر مع الصلابة الوطنية، التي لا تقبل المساومة ولا التخاذل، وإما الحماقة التي لا تقود لغير الكارثة!