أصدرت نقابة الأطباء اول أمس الأربعاء 7 فبراير بيانًا أعلنت فيه الشروع بالإضراب الجزئي (مقلص) تضمن 11 نقطة، وبعد مقدمته جاء فيه "وعليه فإننا نعلن عن برنامج مقلص ونعطي مهلة للحكومة للخروج إلى الشعب وتوضيح الوضع المالي وآليات دفع المستحقات عن العامين السابقين وتنفيذ الاتفاقيات أو الرحيل غير مأسوف عليها". 


يأتي هذا الإعلان عن الاضراب في الزمان والمكان الخطأ، وغير المناسب، والذي لا ينسجم مع المقدمة، التي ترحمت فيها النقابة على الشهداء، وتمنت الشفاء العاجل للجرحى، والإفراج عن أسرى الحرية، ودلفت لسبب الإعلان، وهو ضرورة صرف رواتب الأطباء والمستحقات المالية المتفق عليها مع الحكومة بشأن العلاوات، وحقهم في الراتب الكامل. وأشار البيان للظروف الصعبة التي يواجهها الأطباء والطواقم الطبية، والتي تشمل الموظفين العموميين جميعًا. 
وقبل مناقشة الاضراب المقلص او الجزئي، فإن الضرورة تحتم الإقرار المبدئي بحق النقابات كافة الدفاع عن مصالح المنتسبين لها، ونقابة الأطباء معنية مباشرة بحماية مصالح وحقوق الأطباء عمومًا في الوطن الفلسطيني، وهذا واجبها الملزم، وهو مصدر شرعيتها ودورها أمام الأطباء. 


ولكن قبل مناقشة الأضراب المعلن، هل الظرف الآني مناسب لإعلان الاضراب؟ هل فلسطين التي تعيش منذ مطلع عام 2023 وتولي حكومة بنيامين نتنياهو السادسة مهامها في نهاية عام 2022، وتحديدا منذ 7 أكتوبر الماضي حرب ابادة شاملة على مناحي الحياة كافة في محافظات الوطن وخاصة في قطاع غزة مكانا صالحا ومناسبا لأعلان الاضراب؟ وكيف ستصرف الحكومة الرواتب كاملة، واموال المقاصة تخضع للقرصنة الإسرائيلية، وترفض حكومة الحرب صرفها؟ واليس من المنطقي والمناسب ان تعلن نقابة الأطباء الاستنفار على الصعد كافة لمعالجة أبناء الشعب عموما؟ وألم يكن من الأفضل لرئيس النقابة ومجلس ادارتها الإعلان عن تشكيل طواقم طبية بالتعاون مع الحكومة للتوجه لمحافظات قطاع غزة لتحمل مسؤولياتها تجاه عشرات الالاف من الجرحى والمرضى؟ وماذا؟ وكيف تدافع النقابة عن نفسها امام مئات الأطباء من دول العالم، الذين أعلنوا استعدادهم للسفر الى غزة، وبعضهم دخل اليها للإسهام بمعالجة الجرحى؟ وما هي المعايير الإنسانية والوطنية التي تعتمدها النقابة في محاكاة الواقع الفلسطيني البائس والاستثنائي وغير المسبوق في التاريخ؟ وعن أي رواتب وعلاوات تتحدث النقابة الان، والجوع والفقر والموت والفاجعة تنهش أجساد الأطفال والنساء في محافظات الوطن عمومًا والجنوب خصوصًا؟ 


لا أشك في وطنية وجدارة مجلس النقابة والأطباء عمومًا، ولا في حرصهم وانتمائهم للشعب والقضية والمشروع الوطني وأهداف وثوابت والمصالح العليا للشعب. ومع ذلك هل تستقيم وطنية وروح المسؤولية العالية لدى الأطباء الميامين مع شروط اللحظة غير الطبيعية التي يعيشها الشعب الفلسطيني؟ وماذا تستفيد النقابة من توضيح الوضع المالي المنشور أساسًا على موقع وزارة المالية، وتم الإعلان عنه من قبل رئيس الحكومة ووزير المالية، ويجري الحديث بشأنه مع الدول كافة وعلى رأسها الإدارة الأميركية لرفع سيف القرصنة الإسرائيلية عن أموال المقاصة الفلسطينية؟ هل ستضيف شيئًا غير معلوم للأطباء المحترمين؟ وهل إعلان الإضراب الجزئي الآن فيه حكمة وشجاعة؟ 


لا أريد الدفاع عن الحكومة، ولا عن أدائها وبرامج عملها. ولكن أتحدث عن لحظة فارقة في التاريخ الفلسطيني، والشعب يدفع ثمنًا غاليًا وغير مسبوق من لحمه الحي، في ظل حرب صهيو أميركية على الشعب عمومًا ومنظمة التحرير والسلطة الوطنية وحكومتها خصوصا لتصفية القضية وتبديد اهداف وثوابت الشعب، وفرض حصار شامل مالي واقتصادي واجتماعي وعلى الصعد كافة، لذا أتوجه للاخ النقيب الدكتور شوقي وأعضاء مجلس النقابة المحترمين ولكل طبيب وممرض والاخصائيين في المهن الطبية من الجنسين لمراجعة وإعادة النظر في الإضراب، وتأجيله لما بعد انقشاع غبار حرب الإبادة الجماعية على الشعب، والتي أدت إلى قرابة 28 الف شهيد ونحو 68 ألف جريح وقرابة 10 آلاف مفقود ومعتقل في قطاع غزة، هذا بالإضافة لأعداد الشهداء والجرحى والمعتقلين من أبناء الوطن عمومًا، الذين تجاوز عددهم 10 آلاف أسير حرب. 


في اليوم التالي للحرب، ومع عودة أموال المقاصة وتعافي نسبي للاقتصاد الوطني، وإحداث زحزحة نسبية في دعم الدول المانحة لموازنة السلطة يمكن طرح القضايا المختلفة، وستبقى حقوق الأطباء والممرضين وكل موظفي الوظيفة العمومية محفوظة، وهي استحقاقات مشروعة وطبيعية وملزمة للحكومة الحالية أو أية حكومة قادمة. إن الرهان على النقابة رئيسًا ومجلس إدارة والأطباء عمومًا كبيرًا وعاليًا، وآمل أن يكونوا، كما كانوا دومًا جنودًا وحماةً للوطن والشعب والصحة العامة. الشعب بحاجة لدوركم الريادي، ولمواقفكم الوطنية والإنسانية النبيلة، فلا تخذلوا ذاتكم وشعبكم.