لطمة أخرى بعد لطمة منظمة العفو الدولية "امنيستي" تتلقاها إسرائيل خلال شهر، وهذه المرة جاءت من اهم مؤسسة أكاديمية اميركية وربما في العالم، جامعة هارفارد، فقد قال تقرير صدر عن هذه الجامعة، ان إسرائيل دولة تمارس سياسة الفصل عنصري. التقرير صدر عن مركز حقوق الإنسان التابع لكلية الحقوق في هارفارد في نهاية شباط/ فبراير الماضي أي بعد أقل من شهر من تقرير امنيستي. لقد مثل هذا الاعلان صدمة كبيرة في إسرائيل لكونها تدرك أكثر من غيرها مدى تأثير تقارير الجامعات في الولايات المتحدة، وخاصة جامعة مثل هارفارد، على صناع القرار في واشنطن، وعلى الرأي العام الاميركي.

أهمية هذا الموقف من هارفارد، ينبع من أن لدى إسرائيل اعتقادًا، أن اللوبي الصهيوني في إسرائيل له تأثير تاريخي في الجامعات والمؤسسات الأكاديمية في الولايات المتحدة الأميركية. فهذا اللوبي، وبهدف أن يكون ضاغطًا ومؤثرًا في السياسة الاميركية، وزع ثقله على الجانب المالي وفي وسائل الإعلام وشركات العلاقات العامة والدعاية، إضافة إلى ثقله في مكاتب المحاماة الكبرى، وفي الجامعات. من هنا فإن اعلان هارفارد، وإلى جانب أهميته السياسية والحقوقية، فإنه مؤشر بالغ الأهمية على تآكل تأثير اللوبي الاسرائيلي، نتيجة انقسام يهود أميركا وبروز تيار معارض كبير وذي وزن بينهم لسياسات الحكومات الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني، وتأييد هذا التيار لمبدأ حل الدولتين، ولاعتقاده أن إسرائيل ستكون دولة فصل عنصري إذا لم تنشأ دولة فلسطينية.

ومما غاظ إسرائيل أكثر أن التقرير صدر بالتعاون مع مؤسسة الضمير الفلسطينية، التي هددت إسرائيل قبل أشهر بإغلاقها مع خمس مؤسسات حقوقية فلسطينية أخرى بحجة انها تدعم "الإرهاب". فتعاون هارفارد مع هذه المؤسسات الحقوقية الفلسطينية لا ينفي عنها فقط الادعاءات الإسرائيلية الباطلة، وانما أيضا يمنحها شرعية ويعزز من مصداقيتها على الساحة الدولية.

تقرير جامعة هارفارد شخص الواقع كما هو عليه، ولو جاء هذا التقرير على عكس ما جاء عليه فإنه سيكون تزويرا للواقع. خصوصًا أنه جاء بعد تقرير منظمة العفو الدولية "امنيستي" وبعد تقرير "بيتسلم" الإسرائيلية، بالاضافة إلى تقارير مؤسسات حقوقية أخرى اصدرت تقارير في الآونة الاخيرة وجميعها خلصت للاستنتاج ذاته، أن إسرائيل دولة فصل عنصري.

تهمة إسرائيل الجاهزة، فقد وصفت تقرير هارفارد بأنه "معاد للسامية" ولكن هذه المرة جاءت التهمة لجامعة أميركية كانت إسرائيل تعتقد أن لها فيها تأثيرًا كبيرًا، فهي واحدة من أهم المؤسسات التي تشكل العقل الاميركي، بل تنتج شكل المستقبل للولايات المتحدة والعالم.

لم تعد إسرائيل بقادرة على مواجهة هذا التغير وهي اليوم تقترب من الواقع الذي كانت فيه دولة جنوب أفريقيا العنصرية في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين. صورة إسرائيل كدولة فصل عنصري بدأت تترسخ في وعي الرأي العام العالمي، وهذا بالنسبة لإسرائيل هو المقتل. فالصهيونية هي بالأساس فكرة عنصرية، بل أشد انواع العنصرية، ولكن إسرائيل استطاعت على مدار عقود ان تخدع العالم بأنها الدولة "الديمقراطية" الوحيدة في الشرق الأوسط، اليوم يتهاوى هذا الادعاء وتظهر إسرائيل على حقيقتها.

مع تقرير هارفارد نشعر نحن الفلسطينيين بنوع من الإنصاف، الذي طال انتظاره، فنحن اليوم ومع هذا التغير في الرأي العام العالمي أقرب ما نكون من الحرية.

المصدر: الحياة الجديدة