غدا, الخامس عشر من تشرين الثاني نوفمبر يصادف الذكرى الثالثة والعشرين لاعلان الاستقلال الفلسطيني الذي صدر عن المجلس الوطني في دورته التي عقدت في الجزائر عام 1988.ما هو المعنى الجوهري لاعلان الاستقلال؟هذا السؤال طرح بقوة عندما ذهب الرئيس ابو مازن واعتلى منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة, في الثالث والعشرين من ايلول سبتمبر الماضي, ليلقي احد اهم الخطابات واكثرها دقة وعمقا التي استمع اليها العالم باهتمام عميق, رافعا في نهاية الخطاب نسخة لوح بها بيده من الطلب الذي تقدمت به منظمة التحرير الفلسطينية الى مجلس الامن الدولي, بطلب عضوية كاملة لفلسطين.وقتها تساءل كثيرون من ألوان سياسية وآيديولوجية مختلفة, وبدوافع ولأسباب عديدة, تساءلوا : ما هو الجديد؟ فلدينا اعلان الاستقلال في عام 1988 الذي اعترفت به دول اكثر من الدول المعترفة باسرائيل, ولكن على الارض, لا يوجد دولة, ولا يوجد استقلال, فما هو الجديد في الامر؟! وماذا لو ان الولايات المتحدة عملت بكل ثقلها على عدم مرور هذا الطلب في مجلس الأمن او استخدمت حق الفيتو؟!قبل ايام, عجزت اللجنة المكلفة من مجلس الامن بدراسة الطلب الفلسطيني, عن التوصل الى اجماع حول الطلب, لان الولايات المتحدة مارست بكل ثقلها ضغوطا تفوق الوصف, ضغوطا باغراءات هائلة, وضغوطا بتهديدات هائلة !!! ولعبت المصالح الدولية الكبرى دورها, وخاصة في ظل الازمة المالية الطاحنة في اوروبا دورا كبيرا في السلوك السياسي للدول, ثم جاءت التهديدات الاسرائيلية لايران على خلفية برنامجها النووي, مترافقة مع تقرير المنظمة الدولية للطاقة النووية, في توقيت حرصت فيه بعض الدول وخاصة بريطانيا وفرنسا على عدم الصدام مع اسرائيل !!! كل ذلك تجمع في لحظة واحدة ليصنع حاجزا قويا ضد المطلب الفلسطيني.ولكنها معركة في حرب طويلة:واعلان الاستقلال الذي نحتفل بذكراه الثالثة والعشرين, كان اول اعلان شامل باجماع الشعب الفلسطيني, ان هدف النضال الفلسطيني, وجوهر المشروع الوطني الفلسطيني, هو اعادة انبثاق الكيانية الفلسطينية, اي الدولة الفلسطينية المستقلة فوق الارض الفلسطينية, وان هذا الهدف هو فوق كل التوجهات الاخرى, وهو اقدس المقدسات الاخرى, واول الاولويات الفلسطينية.اعلان الاستقلال الفلسطيني لم يقصد من ورائه الرئيس عرفات في ذلك الوقت ان تتحقق الدولة وتتجسد بعد الاعلان عنه فورا, بل كان القصد هو ابلاغ العالم من اشقاء واصدقاء واعداء, بان المشروع الوطني الفلسطيني ليس تائها في الوان اخرى, وغايات اخرى, واستراتيجيات اخرى, بل هو اجماع متبلور في اعادة احياء الكيانية الفلسطينية, في قيام دولة مستقلة للشعب الفلسطيني فوق الارض الفلسطينية, وليس في اي مكان آخر.واذكر الجميع بما قاله الرئيس ابو مازن بكل وضوح, بانه حتى لو حصلنا على قرار من مجلس الامن, فليس معنى هذا ان الدولة ستتجسد بشكل كامل في اليوم التالي, ولكن قواعد اللعبة ستتغير, وسوف نواصل نضالنا الطويل والصعب من اجل اقامة الدولة, ولكن نضالنا سيكون بمعطيات جديدة.أخطر شيء في النضال المرير من اجل هدف سياسي بهذا الحجم, وهو اعادة احياء الكيانية الفلسطينية, اخطر شيء هو ان تقوم اطراف بقياس الامور على لحظة معزولة عن سياقها, وتبسيط الصراع وكأنه لعبة بديهيات بين اطفال ابرياء!!!لا. الموضوع اكثر تعقيدا, انه الجهد الخارق لتكريس مسار متصاعد باستمرار, قد نتعثر فيه في لحظة او معركة او تجربة او محاولة, ولكن المهم ان نحافظ ونصر على استمرار المسار الى الامام, وهذا هو صميم القرار الفلسطيني بشأن حق تقرير المصير, وبشان حتمية اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.في المسارات الكبرى من هذا النوع هناك اصوات شاذة لافراد او قوى او جماعات, التي تتصرف على طريقة الذئاب الجريحة, التي ما ان تشم رائحة دمائها النازفة من جراحها, حتى ترتد لتهاجم نفسها بقسوة ووحشية وانحدار بائس لتدمير الذات.ربما في الايام القادمة, سنرى نماذج كثيرة من هذه الذئاب الجريحة تعوي بجنون, تريد ان تمزق لحمها الفلسطيني, صارخة بهستيريا : انظروا, لقد خسرنا الجولة في مجلس الامن !!!اريد فقط ان اسجل ان هؤلاء الصارخين بجنون الذئاب الجريحة لم يكونوا يوما من القافلة, لم يكونوا يوما من سجنة الحلم المقدس, لم يكونوا يوما من حملة امانة المشروع الوطني !!!انهم افراد او قوى او جماعات عارضون, عابرون, يمرون هكذا في غفلة من الزمن, يصرخون في وجه الظلام ويعجزون حتى ان يوقدوا شمعة واحدة !!!ينادون بالويل والثبور ولكنهم لم يعرفوا يوما معنى تحمل المسؤولية !!! لا ينتجون شيئا سوى الدوران والتلاشي في مازق اللحظة الراهنة !!! لا يرون الا ما هو امام انوفهم وتحت اقدامهم فقط !!! ليسوا مؤهلين لأن يروا الآتي حتما بكل فرح وبهاء دون ان يلتفت اليهم, انهم فقاعات طافية فوق الموج سرعان ما تتلاشى ولا يتذكرها البحر الكبير المصطخب.