فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر تقف شامخة بابنائها البواسل، وقالت كلمتها أمس الثلاثاء الموافق 11 ايار/ مايو 2021 كما لم تقله منذ زمن بعيد، هنا فلسطين، هنا التاريخ، هنا الشعب العربي الفلسطيني، نحن أصحاب الأرض والتاريخ والهوية الوطنية والقومية العربية، عاصمة دولتنا الابدية القدس، ولا نفرط بشبر منها، ولا باحيائها، ولا بمعابدها الإسلامية والمسيحية، ولن نسمح للغزاة الصهاينة ومن يساندهم، ويتواطئ معهم، ويشد على اياديهم ان يتغولوا على حقوقنا واهدافنا الوطنية، وسنرد الصاع ألف صاع على فاشيتهم وعنصريهم ووحشيتهم  الإستعمارية، ولن نسمح للعصابات الصهيونية اليمينية واليمينية المتطرفة والحريديم المتشددين، ولا لحكومتهم الفاسدة والمنظمة لإرهاب الدولة برئاسة الفاسد نتنياهو وزمرته أن يستقروا، أو ان يهنأوا بارض الوطن التاريخي لشعبنا. 

نعم أمس الثلاثاء سطر الفلسطينيون مجد هويتهم من رأس الناقورة حتى ام الرشراش، ومن رفح إلى طوبا الزنغرية في أقصى الشمال الفلسطيني، وهبوا صوتًا واحدًا، ويدًا واحدة، وكفاحًا موحدًا بكل اسمائه وعناوينه الحسنى، خرجوا كالمارد من كل قرية وخربة ومدينة ومزرعة وبيت بايدهم العارية، وأصواتهم الراعدة، وإيمانهم الراسخ والعظيم وبعصيهم وما يملكون من وسائل الدفاع عن الذات، وأكدوا للعالم اجمع وقبل الجميع لقادة دولة المشروع الصهيوني جميعا: ازفت ساعة الثورة، وحانت لحظة الإندثار والإضمحلال، هنا فلسطين العربية، كانت تسمى فلسطين، وستبقى تسمى فلسطين، وهي أرض الأباء والأجداد، ولن نفرط بحبة تراب واحدة منها، ولن نتخلى عن كلمة واحدة من روايتنا الوطنية، وسنلاحقكم امام المحاكم الدولية كمجرموا حرب وقتلة، سنلاحقكم كما كل فاشيوا ونازيوا الأرض. 

مددنا يدنا للسلام الف مرة، ولم نتورع عن تقديم التنازلات غير المسبوقة، والتي تجاوزت قرار التقسيم الدولي 181 الصادر في 29 نوفمبر 1947، وذهبت قيادتنا الشرعية الف خطوة للامام نحوكم ونحو الأميركان، والإتحاد الأوروبي ونحو العالم اجمع لبناء جسور السلام الممكن والمقبول، ولكنكم أوغلتم في الغطرسة والجنوح نحو الفاشية، ورفضتم يد السلام، لا بل ذبحتموها، أغلقتم على أنفسكم أبواب الجحيم، وأخذتكم العزة بالنفس، فخيل لكم: ان الوقت حان لبسط سيطرتكم الإستعمارية على كل فلسطين التاريخية، وأغواكم ذلك الرئيس الأفنجليكاني المجنون، ترامب بصفقة عاره وبشعاته لإستكمال تنفيذ وعد بلفور المشؤوم، لذا اطلق على صفقته العقارية الرخيصة "صفقة القرن". لا سيما وان تاريخ الشروع بتنفيذها بدأ في السادس من كانون اول / ديسمبر 2017، اي بعد قرن بالتمام والكمال على اعلان ذلك الوعد الإجرامي، وهالكم الإنحطاط الترامبي، وذهب بريح عقلكم وكشف عمق فجوركم، وفضح وهن وعيكم، فذهبتم لإصدار قانون "القومية الاساس للدولة اليهودية" العنصري والإجرامي، وأسقطكم أبسط الحقوق السياسية والقانونية والثقافية والأخلاقية عن الشعب العربي الفلسطيني صاحب الأرض، وعنوان هويتها، وحارسها التاريخي. 

نسيتم أنفسكم، ولم تعد الأرض تحملكم، وأدرتم الظهر لكل بارقة سلام، حتى طار عقلكم حينما تهاوت بعض القلاع العربية الرسمية في مستقنع التطبيع الإستسلامي المذل والمهين، وافترضتم ان الميدان العربي استبيح كليًا، وأن الفلسطينيين لم يعد امامهم سوى القبول بالأمر الواقع، ورفع راية الإستسلام، وتجاهلتم عن سابق تصميم وإصرار تاريخ كفاح الشعب العربي الفلسطيني على مدار القرن ونصف الماضية ضد غزوتكم الصهيونية الإستعمارية وضد كل غزوات الأعداء على مر الحقب والتاريخ، ونسيتم ان هنا شعب الجبارين، وان رمل داود في عيون العملاق الفلسطيني جالوت لم يعد يجدِ نفعا في الزمن الحديث، وأغفلتم حقائق التاريخ، الذي اكد لكل الغزاة الإستعماريين أن مصيرهم في مزابل التاريخ، وأن مآلهم تحت اقدام ابطال الحرية والسلام الفلسطينيون. 

نتنياهو الفاسد ومن لف لفه من قادة الحكومة اليمينية المتطرفة، إفترضوا ان سيناريو إطلاق القذائف الصاروخية ردًا على همجيتهم في المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح سيخلط الأوراق، وتتماهى صورة الضحية مع الجلاد، وستقوم الإدارة الأميركية بالتعتيم والتغطية على جرائم حربهم، ولم يدركوا أن أولًا السحر انقلب على الساحر، ثانيًا أن المعادلة اختلفت، ولم تعد هي ذاتها، ثالثًا لم يتوقعوا ان فلسطين وشعبها الأبي سينتفض في ثورة عارمة في كل بقعة من أرضها الطاهرة، وفي عقر دار الدولة الصهيونية المارقة والخارجة على القانون، ورابعًا وأفترضوا ان الشعب العربي الفلسطيني يقبل القسمة على التقسيمات الدينية والطائفية والمذهبية والجهوية والمناطقية، بيد أن ثورة شباب الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة أكدت على وحدة الشعب تحت راية الدفاع عن الحقوق والثوابت الوطنية، وفتحوا ألف جبهة في وجههم الإستعماري في اللد والرملة وحيفا ويافا وام الفحم والناصرة وشفا عمرو والطيبة وكفر قاسم والجت وعارة وعرعرة وعين ماهل وسخنين ودير حنا وعرابة الباطوف وطمرة ورهط وعموم النقب وعكا ومجد الكروم ودبوريا وكفر ياسيف وطوبا الزنغرية ... إلخ خامسًا تهاوى بيتكم الزجاجي  كبيت العنكبوت، وكشفت ثورة ابناء الشعب البواسل في داخل الداخل وفي القدس العاصمة، سيدة المدن ودرة تاجها، وفي غزة البطولة، ان اساطير قوتكم الكاذبة "وعبقريتكم" واهية وتافهة، لا تصمد أمام لحظة حقيقة تاريخية، ولا أمام عظمة وجبروت شعب فلسطين الكنعاني البطل، سادسًا حتى لو ذهبتم لحرب برية واسعة على قطاع غزة، وارتكبتم ابشع جرائم الحرب ضد ابناء الشعب العربي الفلسطيني في أرض فلسطين التاريخية، فلن تفيدكم بشيء، ولن ترفع عنكم عاركم وهزيمتكم وإنكشاف ظهركم، ولن تغطي عمق ازمتكم، وبداية النهاية لمشروعكم الإستعماري لو وقفت كل قوى الدنيا خلفكم، وليس الولايات المتحدة الأميركية.  

التاريخ لا يعيد نفسه، ورغم عدم صلتكم بالنبي داود وقصته، وعدم علاقتكم بالديانة اليهودية إلآ للإستعمال الوظيفي خدمة لإسيادكم من الغرب الإستعماري، ورفضنا حرف بوصلة الكفاح الوطني التحرري السياسي والقانوني، ورفض منطق وخيار الحرب الدينية، إلا أن الشعب الفلسطيني الواحد الموحد في بقاع الأرض لن يعود إلى الوراء، وسيبقى صاعدًا إلى الأعلى مع حركة التاريخ حتى ينتصر، ويعيد مجد الأرض الوطن ولشعبها وهويته وروايته الأولى والباقية ما بقي التين والزيتون والزعتر. 

لكن ذلك لن يثني القيادة الفلسطينية على الإصرار في المضي قدمًا لبناء ركائز السلام الممكن والمقبول عالميًا وعلى أساس خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين على أساس القرار الدولي 194، وحق تقرير المصير الكامل والناجز لأبناء الشعب الفلسطيني، وتأمين المساواة الكاملة لأبناء الشعب في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة، وشطب كامل لقانون القومية الأساس للدولة اليهودية، وتغيير نصوص النظام الأساس.