اليوم الإثنين الثامن من آذار، مارس تحتفل العديد من الدول والشعوب بيوم المرأة العالمي، تقديرًا وإمتنانًا لدورها ومكانتها في المجتمع، ورغم ذلك هناك عدد من الدول تحتفي بالمرأة من الزاوية الشكلية، ولا تفيها حقها، ليس هذا فحسب، إنما تعمق خيار الإضطهاد والقمع لها، وتعمل على اتساع وزيادة التمييز الجنسي، وتغلب وتعزز طابع المجتمع الذكوري. وهنا يبرز التناقض والانفصام في سياسات الأنظمة تجاه نصف المجتمع، ويكشف عن خضوعها لسلطة رجال اللاهوت والدين، ومخلفات وارث النظام الأبوي البطريركي، وللمنطق القبلي والعشائري. والنتيجة بقاء الأنظمة في دائرة التخلف، والاغتراب عن روح العصر، والتصادم مع قرارات ومواثيق  ومعاهدات الأمم المتحدة وإعلان حقوق الإنسان الدولي، وإتفاقية سيداو، التي أولت مكانة ومساواة المرأة بالرجل الأهمية التي تستحق، وهو ما ينعكس سلبًا على تطور المجتمع، ويحرمه من الارتقاء والتعافي من لوثة وموروث الماضي. لأنه يحيل نصف المجتمع الأجمل والأكثر عطاءً وإبداعًا على هامش الحياة، أو بحد أدنى يختزل حقوقها السياسية والاجتماعية والقانونية والثقافية والوظيفية، مما يعيق عملية التكافل والتكامل بين الجنسين، ويترك بصمات سوداء على النهوض المجتمعي.

في دولة فلسطين المحتلة تمكنت السلطة الوطنية ومؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية قبل وبعد الانقلاب في ظل الشرعية من تخطي الكثير من العقبات، ومنذ البداية مع تأسيسها في العام 1994 تبنت وثيقة الإستقلال الصادرة عن المجلس الوطني في دورته ال19، التي أنصفت المرأة، وأكدت على مساواتها بالرجل، ورسخت فكرة المجتمع المدني، وهو ما عكسه النظام الأساسي (الدستور) في المواد ذات الصلة بالمرأة وحقوقها، وكفل لها المكانة ، التي تليق بها وفق شروط تطور المجتمع الفلسطيني.

ومع ذلك بقيت المرأة الفلسطينية شريكة الكفاح التحرري والبناء المجتمعي تعاني من الاضطهاد والظلم والتمييز في بعدين أساسيين، الأول الموروث القبلي والعشائري والديني، والثاني الاستعمار الإسرائيلي، الذي مارس ويمارس التمييز العنصري على كل المجتمع الفلسطيني، فوقعت المرأة تحت ثقل إضطادين إجتماعي وقومي، ومازالت تقاوم في البعد الأول شوائب ومخلفات المجتمع العشائري والاعراف والتقاليد البالية، الذي يرفض الإقرار بحقوق المرأة. كما أنها تقف في ذات الحندق مع الرجل في مواجهة دولة المشروع الصهيوني الكولونيالية، وتتقدم الصفوف بقوة في المعارك المختلفة، فسقطت شهيدة وجريحة في المواجهات والعمليات البطولية ضده، واعتلقت في باستيلاته، ومازال العديد منهن يقبع داخل تلك المعتقلات حتى اليوم وغدًا إلى أن تتحرر الدولة الفلسطينية بشكل كامل.

وهناك شكل آخر من الإضطهاد والقمع يطال المرأة الفلسطينية البطلة داخل الدولة الصهيونية وفي دول الشتات، وكلا الشكلين لهما عميق الصلة بنكبة الشعب العربي الفلسطيني عام 1948، وقيام الدولة الإستعمارية في ذلك العام. ومع ذلك تواصل مع شقيقها وزوجها الرجل خوض المعارك لحماية هويتها وشخصيتها الوطنية، وتدافع عن حقوقها ومكانتها السياسية الاجتماعية والاقتصادية واالقانونية، ولم تستسلم ولم ترفع الراية، وتخوض نضالها على الصعد المختلفة مدعومة من القوى الوطنية والديمقراطية وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية وحكومتها الشرعية، وعبر الأطر والمؤسسات والاتحادات والنقابات الشعبية والجاليات الفلسطينية في دول المهاجر.

مما لا شك فيه، أن معركة المرأة طويلة، ولم تنتهِ، وهو ما يتطلب من القيادة الشرعية والقوى والنخب السياسية الوطنية والديمقراطية تحمل مسؤولياتها كاملة لتعزيز دور المرأة الفلسطينية من خلال المواءمة بين القوانين ذات الصلة بحريتها ومساواتها والتطبيق الخلاق لها، والتصدي للقوى الإستعمارية والقبلية العشائرية والدينية المتزمتة على حد سواء، والالتزام بالإتفاقيات الدولية وخاصة إعلان حقوق الإنسان الأممي وإتفاقية سيداو. لأنه بقدر ما تتمكن المرأة مدعومة من قيادة منظمة التحرير وحكومتها والنخب السياسية من التحرر من الاضطهاد والغبن التاريخي، وتحتل مكانتها المساوية للرجل، بقدر ما ينهض المجتمع الفلسطيني، ويرتقي بتجربته الكفاحية وتحقيق التنمية المستدامة، وترسيخ العدالة النسبية.

في يوم المرأة العالمي أوجه تحية التقدير والإكبار للمرأة الفلسطينية في الوطن وداخل الداخل والشتات والمهاجر ولكل نساء الأرض، وكل عام ونساء العالم أجمع بخير، ولتنتصر راية المساواة بين الرجل والمرأة.