شكلت حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" لأكثر من نصف قرن وما زالت تشكل العمود الفقري للحركة الوطنية وقد مثلت أنموذجًا حقيقيًا لمختلف حركات التحرر العالمي أثناء وبعد حقبة الاستعمار الحديثة، وقد كان للحركة السبق في إعلان انطلاقة شرارة الثورة الفلسطينية، كما أن لها الكثير من الإنجازات التي اعتبرت اختراقًا حقيقيًا على الصعيدين المحلي والإقليمي حتى أصبحت أشبه بدولة قائمة بذاتها. وهي اليوم تمر بمنعطفات تاريخية خاصة، إذ إنها ومجمل القضية الفلسطينية على مفترق طرق قد يكون الأهم والأبرز منذ سنوات طويلة، حيث يقع على عاتقها الكثير من الأعباء والمهمات المصيرية الواجب إنجازها بنجاح، وهي تتلخص في خمس مراحل مترابطة ومتشابكة وكل مرحلة يتم البناء عليها للمرحلة التي تليها، وهذه المراحل الخمس يجب على "فتح" إدراك خطورتها وأهمية التقدم فيها تباعًا، أما المرحلة الأولى فهي خوض الانتخابات التشريعية موحدة ضمن قائمة واحدة تضم فيها مختلف قطاعات وأقطاب واتجاهات الحركة، وأن يكون إنجاز هذه القائمة عبر آلية متفق عليها تنظيميًا وكادريًا، بحيث تنال أبناء "فتح" في مختلف المواقع التنظيمية ومن مختلف التوجهات الفكرية والآيديولوجية، وهذا بكل تأكيد سينقل الحركة لفعل حقيقي وناجح في المرحلة الثانية التي تليه، وهي انتخابات الرئاسة الفلسطينية، حيث سيبنى على هذا النجاح في خوض الانتخابات التشريعية ضمن صيغة متفق عليها، نجاح آخر تستطيع الحركة من خلاله الذهاب للانتخابات الرئاسية أيضًا خلف مرشح واحد متفق عليه، يكون قادرًا على جذب أصوات الجماهير وتحقيق الانتصار لفتح.

هذان الأمران المركزيان سينقلان "فتح" للمرحلة الثالثة، التي تعني بكل تأكيد تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية وبناء مؤسساتها المختلفة على أسس ديمقراطية سليمة، وإذا ما تم عبور هذه المراحل الثلاث بنجاح نستطيع القول إن المرحلة الرابعة ستكون عبارة عن إجراء للترتيبات الفنية والإدارية، بحيث تتم إعادة توحيد مؤسسات السلطة الوطنية بالضفة الغربية وقطاع غزة، وتجاوز كل آثار وتداعيات الانقسام من خلال إنهاء كل المظاهر التي صبغت تلك المرحلة، هذه المراحل الأربع هي المقدمة الفعلية والضرورية لإعادة وضع القضية الفلسطينية على الطاولة الدولية بقوة وهي شروط أساسية لإعادة التفاعل الدولي مع قضية الشعب الفلسطيني، بحيث سيصبح إنهاء الاحتلال وإيجاد حل متفق عليه هو المطلب الأساسي لكل دول العالم، ما سيعني بكل تأكيد توجيه كل الضغوط الدولية باتجاه إسرائيل الدولة المحتلة والتي ستجد نفسها أمام واقع سياسي ودولي جديد سيجبرها إما على التعاطي مع المطالب الدولية أو الانعزال السياسي، بحيث تصبح دولة فصل عنصري "أبرتهايد" ويتم التعامل معها على هذا الأساس.

هذه المراحل المصيرية الخمس هي ما سيحدد مستقبل الشعب الفلسطيني وقضيته، وهي من مسؤولية "فتح" كونها الحركة التي أخذت على عاتقها تحرير الشعب الفلسطيني، ونقله من حالة الضياع  واللجوء لحالة تقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية، وإذا ما أدركت حركة "فتح" وقيادتها في مختلف المواقع حجم المسؤولية التاريخية، وتصرفت وفقًا لذلك وبحكمة وصبر وبعيدًا عن فرض الإرادات، فإن بمقدورها عبور هذا المنعطف التاريخي كما استطاعت عبور الكثير من المنعطفات التاريخية السابقة.