مواقف واجتهادات قوى اليسار تجاه الانتخابات القادمة ليست واحدة، ولدى القوى والأحزاب مواقف متباينة تجاهها، فبعضها لا يفكر بالمشاركة من حيث المبدأ، ويمثل هذا الاتجاه الجبهة الشعبية، رغم أنها شاركت في الانتخابات السابقة (2006)، ومع أنها سجلت رأيًا بشأن إصدار المرسوم الرئاسي عن الانتخابات، أشارت فيه، إلى أنه ما كان يفترض الحديث عن العملية الديمقراطية قبل أو مع ربطها بعملية المصالحة بشكل كامل، وعدم الفصل بين المسألتين، وهو ما يحمل ضمنا الاستنكاف عن المشاركة.

وكان حزب الشعب سجل موقفًا إيجابيًا من حيث المبدأ مع الانتخابات، بيد أنه هدد بعدم المشاركة في الانتخابات، إن لم تتم في العاصمة الفلسطينية القدس. وهو ما يعني المراوحة بين خيارين متأرجحين: المشاركة المقترنة بشرط إجرائها في القدس، أو اللامشاركة. وأعتقد أن التهديد لا يخدم الحزب، لا بل يضره، ويضعه في حرج مع خياراته السياسية. لا سيما وأن الكل الوطني يريد إجراء الانتخابات في العاصمة القدس. وأما الجبهة الديمقراطية فرحبت باصدار المرسوم الرئاسي، وأبدت الرغبة بالمشاركة. لكنها وضعت تحفظات على التناقض والتباين الموجود بين النظام الأساسي وبين قانون الانتخابات، وطالبوا بضرورة التوفيق بين الدستور والقانون حتى تستقيم العملية الديمقراطية. وأما حزب "فدا" ومعه المبادرة فكلاهما رحب بالمرسوم وبإجراء الانتخابات في مواقيتها المحددة. رغم أن مصطفى البرغوثي لديه اقتراحات بشأن سن الترشح للشباب لعضوية البرلمان، ودعا لضرورة تخفيضه لسن الـ21 عاما، بالإضافة لمطالب خاصة.

وبالتدقيق في مواقف القوى اليسارية يلاحظ أنها غير منسجمة، ولم تتفق على قاسم مشترك بشأن المرسوم والعملية الديمقراطية، وإن كان هناك مشترك، فإنه يكمن في ضرورة الربط بين المصالحة والانتخابات، لكن التباين يتمثل في النكوص عن المشاركة من جهة، والرغبة فيها. وعلى أهمية الربط، وأنا شخصيا اتبنى الربط العضوي بين المسألتين، بيد أن الضرورة تحتم أولا وثانيا الدفع بتكريس الانتخابات، وفتح الأفق لإجرائها، لأنها حاجة وطنية، وبالضرورة يفترض أن تشكل المقدمة البديهية للمصالحة، وكون إجرائها يساهم رغمًا عن كل قوى التعطيل على تكريس خطوة إيجابية باتجاه المصالحة. بتعبير آخر لا يجوز النكوص، والتخلف عن المشاركة في الانتخابات، لأن هكذا خطوة لن تؤثر في إجرائها، وكون وزن قوى اليسار على أهميتها جميعا في المعادلة الفصائلية، ليس مؤهلًا لتعطيلها. كما أن الخاسر الوحيد هي القوى الانسحابية.

وبالنسبة للتعديلات المقترحة من قبل الرفاق في الديمقراطية والمبادرة، فهي مشروعة وفق المعايير الديمقراطية، لكنّ أيّا من القوتين لم يربط تحققها من عدمه بالمشاركة، وبالتالي تميز موقفهما بسمة عامة بالإيجابية، ولصالحهما. مع أني أود أن أشير لاقتراح تعديل سن الترشح للشباب لسن الـ21 عاما، فأعتقد أن مشاركة الشباب ضرورة قصوى، ومنحهم الحق في التصويت والترشح وفق قانون الانتخابات أمر يصب في مصلحة المجتمع عموما، وليس الشباب فقط. لكن أعتقد من المبكر التفكير بتخفيض سن الترشح، لأكثر من اعتبار: أولًا- نقص التجربة والخبرة عموما وفي المجالات المختلفة؛ ثانيًا- غياب القدرة على تمثل دور النائب؛ ثالثًا- الخشية من غياب الأهلية في الدفاع عن مصالح الشعب؛ رابعا- حاجتهم لفترة أطول نسبيا للتعمق في كيفية التعامل مع اقتراح وسن مشاريع القوانين ... إلخ.

من المؤكد أن التجربة في البرلمان، وبالتعاون مع أقرانهم سيساعدهم على توسيع مداركهم وتجربتهم، وتأهلهم في تحمل المسؤولية، إلا أن الأفضل الاستمرار بالعمل وفق ما تضمنه القانون الانتخابي، أي أن سن الترشح للبرلمان يكون 28 عامًا، وهو سن معقول، ولا يوجد فرق كبير بين السن المعتمد في 20/11/2005 والسن المقترح من قبل رئيس المبادرة.

وبالنتيجة أقترح على قوى اليسار أن تسعى للتعاون مع باقي فصائل منظمة التحرير- وعلى رأسها حركة فتح- والمستقلين لتشكيل ائتلاف وطني واسع وفق برنامج سياسي، لأن هكذا ائتلاف يشكل رافعة للكل الوطني؛ ويحمي المشروع الوطني من القوى الداخلية والخارجية، التي تستهدف الحركة الوطنية ومنظمة التحرير والنظام السياسي الفلسطيني، ويحمي اليسار نفسه، الذي يعاني من تراجع في شعبيته، وبالتالي الائتلاف يوسع دائرة الدعم الشعبي للكل الوطني، ويعمق الشراكة السياسية في العرس الديمقراطي، ويؤصل للتعاون في اليوم التالي للانتخابات، ويساهم في تحجيم القوى المتناقضة مع الديمقراطية والتنوير والمصالح الوطنية العليا.