رامي سمارة

منح وزير الاتصالات الإسرائيلي یوعز ھندل شركة الاتصالات الإسرائیلیة "بیزك" ترخیصا بالعمل الكامل في مناطق الضفة الغربية، وهو قرار في ظاهره خدماتي وفي باطنه سياسي.

القرار اتخذ كما روجته إسرائيل لإيجاد حل للمشاكل التي تواجه "بيزك" في المستوطنات المقامة عنوة على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربیة.

وجاء في حيثياته، إن الشركة التي تعمل في الضفة منذ 36 عاما "دون ترخیص رسمي"، أصبحت ملزمة بإعداد بنية تحتية لتشمل كامل المناطق التي یقطنھا المستوطنون.

وینص الترخيص أيضا على تطویر خدمة الانترنت لتقوم على شبكة فائقة السرعة عبر الألیاف الضوئية، ونظام عمل ذي جودة عالیة بما یوازي الخدمة في شتى مناطق إسرائیل، تجسيدا لمبدأ التساوي في الحصول على الخدمة بين سكان المستوطنات وباقي المناطق الإسرائيلية.

هذا القرار لاقى استنكارا فلسطينيا، فهو في شقه السياسي يجسد خطة الضم والتوسع الاستيطاني على أرض الواقع، ويكشف في جانبه الاقتصادي عن مساعى الاحتلال  للهيمنة على قطاع الاتصالات عبر إحاطة الفلسطينيين بخدمات أكثر جودة ومنعهم من اقتناء التقنيات التي تتيح لهم المنافسة.

رئيس هيئة شؤون الجدار والاستيطان وليد عساف، أكد أن القرار الإسرائيلي يمثل تطبيقا لخطة الضم ومحاولة لتكريس الاستيطان على أرض الواقع بفرض وقائع جديدة.

وأضاف أن كافة الأراضي الفلسطينية محتلة، وأي استثمار للموارد في مناطق "ج" يشكل انتهاكا للحقوق الفلسطينية، والقرار الأخير لوزارة الاتصالات الإسرائيلية جزء من مشاريع التوسع الاستيطاني، التي نص قرار مجلس الأمن 2334 على ضرورة وقفها، بما يشمل الشركات التي تعمل في المستوطنات القائمة على الأراضي الفلسطينية، إلا أن إسرائيل لم تلتزم به لأن الولايات المتحدة ورئيسها دونالد ترمب وفرا لها الغطاء.

وقال عساف: "هذا القرار جاء ليخدم توسيع المستوطنات وتوفير الخدمات لها، ويضرب بعرض الحائط أيضا قرار مجلس حقوق الإنسان الخاص بوضع شركات التي تعمل في المستوطنات على قائمة سوداء، والعمل على ملاحقتها ومحاسبتها أو مقاطعتها على المستوى الدولي".

وأوضح أن خدمات شركات الاتصالات الإسرائيلية الأرضية والخليوية لن تقتصر على المستوطنات، حيث ستصل تغطيتها إلى معظم المناطق الفلسطينية، الأمر الذي ينذر بازدياد خسائر قطاع الاتصالات السنوية التي تقدر بـ500 مليون دولار، بسبب ما تقوم به شركات الاتصالات الاسرائيلية من استخدام للترددات الفلسطينية واستخدام الأراضي الفلسطينية لتثبيت معداتها وأبراجها، إضافة إلى بيع الخطوط والأرقام والانترنت في المناطق الفلسطينية.

وشدد على أن منح شركة الاتصالات الإسرائيلية ترخيصا للعمل في مناطق "ج" ينتهك السيادة الفلسطينية، لأن فلسطين هي صاحبة الحق في منح التراخيص لأي جهة كانت للعمل في الأراضي الفلسطينية، وفي المقابل عندما تقرر شركة فلسطينية العمل في المناطق "ج" فإنها تلاقي العديد من العقبات الإسرائيلية التي تصل إلى حد المنع من العمل، لذلك تعاني الشركات الفلسطينية ومنها شركات الاتصالات بشكل كبير عندما تقرر تحسين أداء شبكاتها، فضلا عن احتجاز المعدات الخاصة بتشغيل الجيل الثالث لأكثر من عام ونصف داخل المطارات والموانئ الإسرائيلية، وعرقلة وصول الخدمات فائقة الجودة والسرعة للفلسطينيين.

وأعرب عساف عن اعتقاده بأن اتفاقيات التطبيع العربية شجعت إسرائيل على مواصلة عمليات "الضم الهادئ" للأراضي الفلسطينية، حيث تُوسع الاستيطان وترسم خرائط الضم وتزيد من مساحة الأراضي المستولى عليها.

وأضاف: "في 2015 بدأت إسرائيل بالحديث عن الضم، لكن كان هناك خلاف بشأن الكيفية والتوقيت لتنفيذ المخطط، وكان هناك حاجة لغطاء أميركي لتنفيذ ذلك، والآن حصلت إسرائيل على أكثر من الضمان الأميركي، والمتمثل بمعاهدات التطبيع العربية التي وقعت دون أي تحفظات، لذلك لا يوجد ما يمنع اسرائيل من ارتكاب جرائمها وسيطرتها على الأراضي الفلسطينية وانتهاك حقوق الفلسطينيين في ظل هذه الأوضاع".

من جانبها، أدانت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات قرار منح شركة "بيزك" ترخيصا بالعمل في مناطق الضفة الغربية، معتبرة إياه استهدافا لقطاع الاتصالات الذي يمثل أحد أهم ركائز نمو واستقلال الاقتصاد الفلسطيني.

وقال وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات اسحق سدر، إن المناطق المستهدفة من القرار الإسرائيلي فلسطينية بحته، الأمر الذي يعكس رغبة سلطات الاحتلال في الاستحواذ على أرباح الشركات الفلسطينية المرخصة.

وأضاف: "على أرض الواقع المستوطنات تم ضمها وتسري فيها القوانين الإسرائيلية، ويتم تزويدها بذات الخدمات التي يحصل عليها الإسرائيلي في بقية المناطق، وقرار منح شركة الاتصالات الإسرائیلیة ترخیصا بالعمل في مناطق الضفة الغربية، الذي يشكل تعديا على حقوق الشركات الفلسطينية، يدلل على كمية الغطرسة لدى سلطات الاحتلال، ويؤشر إلى توجه لمقاسمة الفلسطينيين أرزاقهم، ويكشف عن أطماع في الاقتصاد الفلسطيني".

وبيّن سدر أن الجانب الإسرائيلي يريد من خلال قراره، التأكيد على حضور شبكات الشركة الإسرائيلية في حدود المدن والقرى الفلسطينية، في مسعى لتـأجيرها لمستخدمين فلسطينيين، موضحا أن الموضوع في جوهره لا يعد جديدا، بل يمثل تأكيدا على نية الهيمنة على خدمات الاتصالات والانترنت، ومنافسة الشركات الفلسطينية.

وأكد وزير الاتصالات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، أن الحكومة ستعمل على منع أي مشترك فلسطيني من استخدام الشبكات الإسرائيلية، خاصة في القرى التي تكثر فيها مشاريع تزويد المستخدمين باشتراكات انترنت لا سلكي، مشددا على أن تزويد أي منطقة بهذه لخدمة انترنت يجب أن يكون مقروناً بالحصول على ترخيص من الوزارة، يشترط في أحد بنوده أن يقوم المزوّد بشراء الانترنت من مصدر فلسطيني.

وأكد سدر أن الوزارة ستكثف من الجولات الميدانية الدورية لطواقمها، بالتعاون مع الضابطة الجمركية والأجهزة الأمنية، لفحص الشبكات اللاسلكية لمعرفة المغذي الرئيسي لها ومصدر الانترنت ومن أين تم شراؤه، مشيرا إلى أن الموضوع يجب أن يكون مرتبطا بإرادة لمقاطعة الشركات الإسرائيلية.

ونوه إلى أن العمل مستمر وصولا إلى خدمات فلسطينية من الشركات المرخصة بجودة وسعر منافسين، وكشف في السياق ذاته، أن الوزارة تنتظر انتهاء استشارات عامة تقوم بها في موضوع احتساب السعر على أساس التكلفة.

وتطرق إلى العراقيل التي تواصل سلطات الاحتلال وضعها أمام إطلاق خدمات الجيل الرابع (G4)، قائلاً: "إسرائيل تحاول ابتزاز الفلسطينيين في أحد الحقوق الاقتصادية والإنسانية، ونحن نواصل وبشكل يومي حراكنا الدبلوماسي والقانوني دوليا لانتزاع هذا الحق والسماح بإدخال أجهزة تشغيل الجيل الرابع، لأن التكنولوجيا سريعة التغير ويجب أن يتمع بها أبناء الشعب الفلسطيني".

من ناحيته، عمار العكر الرئيس التنفيذي لمجموعة الاتصالات الفلسطينية، أكد أن القرار الإسرائيلي يضع الشركات الفلسطينية أمام تحد لمنافسة شركات إسرائيلية وصلت إلى أبواب منازل الفلسطينيين، رغم أنها تعمل في المناطق الفلسطينية منذ عدة عقود، دون أي معوقات بل تحصل على امتيازات. 

وقال: "الشركات الإسرائيلية موجودة منذ زمن على تخوم المدن والقرى، وهناك شركات فلسطينية تتزود بخدماتها، لكن وجودهم وطلب بالاستثمار المباشر في مناطق الضفة الغربية سيشكل حافزا لها، والطلب منها تمديد خدمة الألياف الضوئية للمنازل في المستوطنات سيمنحها تفوقا في تقديم الخدمة التي قد تتغول إلى السوق الفلسطينية".

وأوضح العكر أن الحكومة الإسرائيلية قدمت منذ عام ونصف دعما مباشرا لشركات اتصالات خليوية إسرائيلية، لبناء 70 موقعا لتقوية خدماتها في مناطق "ج"، وعلاوة على ذلك، تم منح شركة "بيزك" صلاحية لتوسيع شبكتها لتشمل المستوطنات، وتزويدها بخدمة الألياف الضوئية، وهذا سيؤدي إلى أن المنتج الذي توفره الشركات الفلسطينية للمستهلك على شكل خدمات اتصالات وانترنت، سيكون أقل جودة بكثير مما تقدمه الشركات الإسرائيلية.

وأعرب الرئيس التنفيذي لمجموعة الاتصالات الفلسطينية عن خشيته من أن يكون هناك خسارة من حصة السوق لصالح الشركات الإسرائيلية المتفوقة تكنولوجيا وخدماتيا، حيث أن الإنترنت فائق السرعة يمكن أن يصل إلى منازل الفلسطينيين بكل سهولة داخل المدن عن طريق موجات المايكرويف، بعد الانتهاء من توفير خدمة الألياف الضوئية في المستوطنات، عدا عن التعقيدات التي ستطرأ في أعقاب تشغيل خدمات الجيل الخامس، حيث ستكتسب الشركات الإسرائيلية ميزات تنافسية.

وأكد العكر أن العراقيل التي توضع أمام شركات الاتصالات الفلسطينية تاريخية خاصة في المناطق "ج"، حيث يتطلب الأمر أحيانا سنوات لمد الشبكات أو بناء أبراج التقوية، عدا عن المواقع القريبة من المستوطنات التي تتعامل معها سلطات الاحتلال بـ"حساسية أمنية" وتمنع الاقتراب منها.

وأَضاف: "الشركات الفلسطينية لا يمكن أن تنافس تلك الإسرائيلية ضمن المعطيات الموجودة، التكنولوجيا مختلفة ومتقدمة والأعباء الضريبية والتنظيمية على الشركات الفلسطينية أكبر، كما هنالك عراقيل على حرية الحركة والتقدم، احتجنا 18 عاما للسماح لنا بتغطية بعض المواقع في المناطق "ج"، ترددات الجيل الرابع لم تمنح للفلسطينيين بعد، فيما تم منح الشركات الإسرائيلية قبل شهر رخص تشغيل الجيل الخامس، وبالتأكيد ستقوم الأخيرة بإتاحة هذه الخدمة في المناطق الفلسطينية، دون أن يترتب عليها أية رسوم أو ضرائب".

ورأى العكر أنه بفعل الوعي الفلسطيني والثقة والإيمان بالمؤسسات والشركات الوطنية، استطاعت الشركات الفلسطينية أن تسيطر على النسبة الأكبر من السوق الفلسطينية رغم كل العقبات، والإسرائيليين رغم توغلهم ومحاربتهم للشركات الفلسطينية نسبة وجودهم في سوقنا لا تتعدى 15%، رغم كل الإغراءات التي تمنح لإقناع الفلسطينيين بالتزود بخدماتهم.