فلسطينيون يعدون بعشرات الآلاف وربما بمئات الآلاف ولدوا وتعلموا وعاشوا سنوات طويلة من طفولتهم وشبابهم في هذا البلد العربي الأصيل، الذي أعطى للفلسطينيين الكثير وأعطوه الكثير أيضًا. لم أذكر أحدًا من أقاربي ممن عملوا وعاشوا في الكويت، وهم كثر، إلا وكان يذكر هذا البلد، وهذا الشعب الشقيق، بالخير والشكر والعرفان. أُسر فلسطينية كثيرة نمت وازدهرت حياتها، وعلمت أبناءها بأفضل جامعات العالم من خير الكويت. بالمقابل، أعطى الفلسطينيون محبتهم وخبراتهم للكويت التي عملوا فيها بكل إخلاص وتفانٍ، وكانوا يتعاملون مع الشعب الكويتي كشعب شقيق، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ولم ينظروا إلى هذا البلد على إنه مجرد فرصة عمل، أو مصدر رزق.

بهذا المعنى، هناك علاقة خاصة بين الشعبين الفلسطينى والكويتي، وبقدر ما هي فلسطين مزروعة في وعي الكويتيين، فان للكويت مكانة خاصة جدًا عند شعبنا الفلسطيني، وهذا أبدًا ليس فيه أي نوع من المبالغة، أو نفاق العرب للعرب، الذي يبدو منفرًا أحيانًا. لذلك، ولأن العلاقة بهذه الخصوصية والعمق، طوى الشعبان أزمة الشك العابرة التي طغت على العلاقة لسنوات بعد احتلال العراق للكويت عام 1990.

العلاقة بين الشعبين الفلسطيني والكويتي لم تبنَ يومًا على الشعارات العاطفية، بل كان شعبنا الفلسطيني يشعر باستمرار أن له في الكويت سندًا حقيقيًا وداعمًا له ولقضيته الوطنية، فهذا البلد الشقيق محفور في ذاكرة الفلسطينيين بأنه كان الحاضنة والمكان الدافئ الذي تأسست فيه حركته الوطنية المستقلة بعد نكبة عام 1959, ففي الكويت، تأسست فتح في نهاية خمسينيات القرن العشربن، وهي الحركة التي انطلقت بالثورة الفلسطينية المعاصرة عام 1965، واستعادت وحدة الشعب الفلسطيني وأعادت وجوده على جدول الأعمال الدولي بعد أن جرى شطب فلسطين وشعبها عن الخارطة.

أمس الأول رحل أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، شعر شعبنا الفلسطيني بالحزن والفقدان، لأن هذا الأمير العروبي لم يرضخ للضغوط وبقي وفيًا للأمانة القومية، وفيًا لفلسطين وقضيتها، لأن هذا الأمير جعل من الكويت بلدًا جامعًا للأمة العربية، لا مفرقًا خارج المحاور التي لم تجلب للأمة سوى مزيد من التدهور والتمزق، وكان الرابح الوحيد منها اسرائيل وكل المتربصين بالعرب وبجغرافيا العرب وثرواتهم من القوى الاقليمية والدولية.

الشعب الفلسطيني وفيّ لكل من قدم ويقدم له الدعم، والكويت وشعبها تستحق هذا الوفاء، خصوصًا في هذا الزمن العربي الرديء، فالوفاء لهذا البلد هو بأثر رجعي ويمتد في الحاضر والمستقبل، فلسطين والكويت معًا مرتبطان بالوجدان معا لدى الشعبين الشقيقين.