الأمن.. القانون.. العدل.. أركان الدولة التي لا ترفع إلا بوعي المواطن لحقوقه وواجباته، وبدونها سيبقى أي مجتمع بشري ما دون مستوى الإنسانية والمدنية الشرط الأساس لنيل سمة المجتمع الحضاري.

تتملك فئة من المجتمع رغبة الانفلات من سيادة القانون والتسلط  والاستقواء بما تملك من قوة مادية أو نفوذ أو قدرة على إرهاب وإرعاب الآخرين بجبروتها وأياديها الملطخة بدماء الجريمة وسلوكياتها المنحرفة، وتسعى لتكوين سلطة ما منسجمة مع غرائزها وأهوائها ومصالحها كفئة، لذا نراها تنتهز أدنى الفرص للاعتداء على سلطة القانون لإضعافها تمهيدًا لبسط سيطرتها وهيمنتها على الناس.

قد تكون هذه الفئة عصابة إجرامية، أو عصبة منظمة لكنها خارجة على قوانين وأخلاقيات وتراث المجتمع وثقافته، وقد تكون جماعة متطرفة تتلون بالسياسة كنهج الحرباء التي تبدل لونها حسب البيئة التي تكون فيها، وتستخدم ديانة المجتمع سبيلاً للوصول إلى السلطة بأي ثمن.. ولِكل جماعة بسطة من شكل ومضمون ما تفردها في الشارع وقتما تشاء.

الجماعة التي نتحدث عنها ابتلي بها مجتمعنا الفلسطيني بالتزامن مع ابتلائه بالمشروع الصهيوني الاحتلالي الاستعماري العنصري، وكلاهما نبت من ذات العاصمة للإمبراطورية الاستعمارية آنذاك (بريطانيا العظمى) إنهم جماعة الإخوان المسلمين ومشتقاتهم من مستخدمي الإرهاب والعنف المطلي بما ذوبوه وأعادوا تركيبه من المصطلحات الدينية كسبيل للوصول إلى سدة السياسة واعتلائها لتمرير مصالحهم الفئوية الشخصية المادية وأهمها التجارية، فهؤلاء يستخدمون البشر ويخسرونهم عقيدتهم وأنفسهم لجني أرباح مادية مالية سلطوية وضمان ازدهار تجارتهم.

ابتلينا بجماعة حماس في المحافظات الجنوبية من الوطن (قطاع غزة) التي عملت على استخدام كل الوسائل القذرة لتفكيك سلطة القانون، وإدخال المجتمع في حالة انفلات أمني قبل الانقضاض على سلطة القانون في يوم الانقلاب، ونبتلى الآن في بعض مناطق المحافظات الشمالية (الضفة الغربية ) وبعض المناطق التابعة للقدس الشرقية غير الخاضعة لسلطة القانون والأمن الفلسطيني بجماعات لكل واحدة منها أغراض وأهداف وارتباطات لا علاقة لها بالوطن والوطنية أو الدين، حتى إن معظمها مشبوه بعلاقة من نوع ما مع سلطات الاحتلال.

تقتضي خطة منظومة الاحتلال في تل أبيب طعن السلطة الوطنية الفلسطينية في الأمن باعتباره مرتكز الاقتصاد والسياسة والنمو والبناء، وهو النقطة الأكثر حساسية لدى عامة المجتمع الفلسطيني باعتبار الويلات التي وقعت عليه من جيش الاحتلال الإسرائيلي.

غلبت قبل انقلاب حماس اعتبارات عشائرية وعائلية ومصالح ذاتية لدى بعض الذين كان بيدهم تنفيذ أوامر سلطة القانون، فتوسع المجرمون بالانفلات الأمني الذي استغلته حماس لتشكيك المواطن بمعنى السلطة الوطنية، وكان ضعف المؤسسة الأمنية الحلقة الرخوة التي سهل على حماس كسرها والاستيلاء على مقدرات السلطة بقوة السلاح الذي ظهرت علاماته من قلب عربات بائعي الخضار وبسطات البائعين المخالفة، علامات لم تحسب لها قيادات المؤسسة الأمنية حينها حسابا إلا بعد انقضاض مسلحي حماس المنظمين بأسلحتهم الحديثة وصواريخهم وعتادهم الذي ظهر لأول مرة.

كان التهاون مع حالات خرق القانون والانفلات والاعتداء على الأجهزة الأمنية العامل الأقوى الذي مكن حماس من تنفيذ انقلابها بسرعة قياسية تحت سمع وبصر منظومة الاحتلال، وهذا ما ثبت لقصار الرؤية والتقدير ولكن بعد أن دفعنا ومازلنا ثمنًا باهظًا من مشروعنا الوطني وقضيتنا.

اليوم ونحن نشهد في مناطق متعددة في المحافظات الشمالية (الضفة) مشاهد وحالات يمكن اعتبارها محاولات لتكريس انفلات يمهد لما جازت تسميته (انقلاب البسطات) التي باتت بمثابة شرارات يستغلها المنقلبون على الوطنية الفلسطينية وعلى المشروع الوطني لتنفيذ أجنداتهم المنسقة والمرتبطة مصيريًا مع منظومة الاحتلال والاستيطان الاستعماري العنصري.

لا يلدغ العاقل من الجحر مرتين، وعليه فإن المناضل القائد في موقع القرار الأمني عليه مسؤولية ضبط أي خروج على القانون وفقًا لمبادئ وفلسفة المؤسسة الأمنية المنبثقة أصلاً من روح القانون، وتوجهات وتوجيهات المؤسسة السياسية المسؤولة أولا وأخيرا عن الأمن والعدل في البلاد  وعن مصائر المواطنين وضمان مستقبل آمن لهم.

نعيش حالة طوارئ صحية ونعتقد بضرورة تلازمها بأمنية في آنٍ واحد حتى لا يستغلن واحد من الجماعات إياها أي فرصة لطعن المشروع الوطني في مقتل هذه المرة، فبسطات الجوارب وبعض بسطات السلاح المخالفة للقانون التي  تظهر بين الحين والآخر لا نراها إلا اختبارات مصممة في مكاتب الشاباك الإسرائيلي.

لقياس قدرة المؤسسة الأمنية وعزمها وحزمها على تطبيق سياسة وبرنامج الحكومة والقيادة  الفلسطينية، فمخطط ترامب- نتنياهو يقضي بإضعاف السلطة الوطنية إلى درجة تبقى فيها كالفزاعة في الحقول لا أكثر، وهذا ما ندركه كمناضلين وطنيين ونعمل على منع تجسيده على أرضنا وسحبه على شعبنا مهما بلغت التضحيات.

لا مجال أمامنا للتجربة، فقد جربنا كل الوسائل قبل وقوع الفأس على رأسنا في غزة، فالتعقل يعني الضرب بحزم وقوة ولكن بيد القانون، وإن لم نفعل فإننا سنندم، ليس لأننا سنخسر شيئا ماديا يخصنا، وإنما لأننا سنخسر وطنا أتيحت لنا فرصة تجسيد سلطة وطنية تمهيدًا لإنجاز استقلالنا في دولة مستقلة ذات سيادة، فهؤلاء سينقضون على الكل الوطني لمص دمائه، ولكم في قطاع غزة تجربة حماس ماثلة لا لبس فيها أبدًا، ومن لم يتعظ فهو أصم أبكم أعمى.