لقد فوجئنا بتوزيع بيان صادر عن الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ليل الأحد 2019/12/8، وتناقلته مختلف المواقع، وقد فوجئت قيادة الحركة بما تضمنه بيان الجبهة من تشهير بالحركة وتحريض عليها، وإساءة إليها في مجال العمل الوطني، واختيار مناسبة الذكرى السنوية للانتفاضة الأولى التي يجب أن تجمِّعنا ولا تفرِّقنا، وأن توحِّدنا بما حملته وصنعته من قيم وطنية وثورية، وخاصة الدور التاريخي المميَّز في انطلاقة الانتفاضة الأولى لحركة "فتح" ولقيادتها الرائدة التي كان لها الفضل الأول والأكبر والأسمى في هندسة هذه الانتفاضة الشعبية وفي تكويناتها وخططها وبرامجها وسياساتها، وتحديداً الدور الرائد للشهيد خليل الوزير أبو جهاد مهندس الانتفاضة وراعيها والساهر على كل تفاصيلها، وهو الذي أسس شبيبتها ولجانها، وهو الذي كان حريصاً على تنفيذ العمليات العسكرية في العمق الإسرائيلي مثل عملية ديمونا العام 1988 والتي هزَّت الكيان الصهيوني وأرعبته، والتي أدت إلى اتخاذ قرار في الكابينيت الاسرائيلي بضرورة اغتياله رحمه الله، فهو الذي أعطى حياته كلها لحركة "فتح"، وكانت له بصماته في كل المراحل وخاصة عندما تصدَّر واجهة صناعة وهندسة الانتفاضة المباركة .

يؤلمنا جداً أن نقرأ ونسمع مثل هذا الكلام من الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين التي تتعمد الإساءة والتشويه في ظروف سياسة تتطلب الوحدة والتعاضد والعمل على تكريس المصالحة، والتصدي للمؤامرات التي تستهدف القضية الفلسطينية برمتها وتسعى إلى فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية لصناعة كيان جديد يتناسب مع الطموحات الصهيونية .

بعد صدور بيان الجبهة في عدة مواقع وانتشاره اتصلت قيادة حركة "فتح" في الساحة اللبنانية مع مسؤولي الجبهة في لبنان للتأكد من مسؤولية الجبهة عن إصداره وأنه غير مدسوس من أي جهة، للأسف لم يتم تبليغنا بشيء كما أنه لم يتم نفيه أو تعديله وهذا مؤسف جداً.

نذكِّر أنَّ حركة "فتح" التي تعمَّد بيان الجبهة الديمقراطية الإساءة إليها وتشويه مواقفها هي التي تربى فيها وصنعها وطوَّرها العظماء في تاريخ المقاومة وما زالوا، خاصة الرمز ياسر عرفات الذي ضحَّى بحياته وهو يحمل "م.ت.ف" على ظهره وينتقل بها من قارة إلى قارة، ومن دولة إلى دولة في وقت تخلَّى عنها الكثيرون، وحركة "فتح" هي حركة الشعب الفلسطيني، وهي العمود الفقري، وهي التي تتصدر دائماً الواجهة في كافة المحطات، وهي التي تبحث عن فلسطين ودولة فلسطين وجغرافية فلسطين، هي صاحبة القرار المستقل في كل الظروف المعقدة والصعبة، هي لا تفكر بنفسها وبمصالحها، ولكنها تفكر باستمرار الكفاح الفلسطيني، وحماية "م.ت.ف"، ولا ننسى المواقف التي أعلنها الرئيس محمود عباس علناً وفوق الطاولة بوجه المؤامرات التي تستهدفنا ومنها صفقة ترامب الصهيونية، والأخ فهو الذي هدد الأمريكان والإسرائيليين علنًا بأنَّ هذه المؤامرة لن تمر، وهو الذي تصدى لها وحاصرها، وفضح المخططات التآمرية، بينما الأطراف الأخرى كانت تبحث عن مصالحها .

ونحن نؤكد للجميع خاصة الذين لا يريدون رؤية الحقيقة كاملةً، وإنما يرونها من الجانب الذي يساعدهم دائماً على تشويه المواقف القيادية لحركة "فتح" نقول لهم: "إنَّ الانتفاضة الأولى نجحت بامتياز لأن الشعب الفلسطيني بكل قواه وشرائحه وشبابه ونسائه انخرط بوعي كامل في يومياتها، لكن الظروف التي أحاطت بالمنطقة بكاملها هي التي أثرت على مسيرتها، ومن هذه العوامل :

أولاً: تفكك الاتحاد السوفياتي العام 1989، وثانياً بدء حرب الخليج ضد العراق من قبل الولايات المتحدة، وتشرذم الموقف العربي، والتركيز الأميركي – الصهيوني على إضعاف وشل "م.ت.ف" والبحث عن البدائل، وقطع كافة المساعدات الدولية والعربية عن حركة "فتح" ودفعها لجهات فلسطينية أخرى .

ثالثاً: إن مؤتمر مدريد الذي حضرته الدول الأجنبية والعربية لتقرير مصير المنطقة بكاملها، تحت سلطة السيد الأميركي الجديد بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، أخذ قراراً بمنع منظمة التحرير الفلسطينية ورئيسها الرمز ياسر عرفات وأي عضو قيادي في قيادة "م.ت.ف" من حضور المؤتمر، وقرروا أن يكون الوفد الفلسطيني من شخصيات من الداخل وليس بصفة "م.ت.ف"، وهذا كان مؤشراً واضحاً بأن ما يجري في مؤتمر مدريد مؤامرة مكتملة على وجود القضية الفلسطينية وعلى حقوق الشعب الفلسطيني، وهذا ما جعل الرمز ياسر عرفات يفكِّر بإنقاذ القيادة الفلسطينية من مؤامرة التدجين والتصفية النهائية كقضية سياسية وطنية، ومن هنا كان الخيار المر الذي فرض على القيادة الفلسطينية أن تذهب إلى اتفاق أوسلو للحفاظ على استمرار القضية الفلسطينية بأن تكون على أرضها الجغرافية والتاريخية والسياسية، ولتخوض كفاحها هناك من على أرض فلسطين، أرض الآباء والأجداد، وكل الذين يشتمون أوسلو تعاطوا مع حيثيات أوسلو لأنه لم يكن هناك خيارات أخرى متاحة، وهل الذين يشتمون ويشهِّرون لديهم خيار آخر، وأي خيار أخر يتحدثون عنه اليوم طالما الجميع يقف عاجزاً أمام إنهاء مؤامرة الانقلاب – الانقسام ، وأيُّ تحرير وأي مقاومة يمكن أن تنجح كخيار يؤمن الجميع به إذا كان الوضع الداخلي الفلسطيني سيبقى ممزقاً ومقسَّماً وينتظر ما يُخطط له من قبل صفقة القرن .

إنَّ الفقرة الأولى التي بدأها البيان معيبة ومستنكرة وغير مقبولة، وهي "إن ضعف إرادة حركة "فتح" وتغليب مصالحها البيروقراطية والفئوية الضيقة على حساب وصالح شعبنا أدى إلى فشل نجاح انتفاضة 1987". ونقول للجميع إن حركة "فتح" الرائدة وعبر مسيرتها التاريخية لم تضعف يوماً، ولم تُغلِّب مصالحها على مصالح شعبها، لأنها تربط وجودها بوجود شعبها، فقرارها المستقل دائماً ينبع من إرادة شعبها، وفي كل المراحل والمحطات كانت تجعل من نفسها جسر عبور لشعبها لتضمن مستقبله وكرامته وحريته، وعلى الجميع أن يتذكر جيداً أَنه في معركة الكرامة في 1968/3/21 حركة "فتح" هي التي خاضت المعركة مع قوات التحرير الشعبية وكل قياداتها التاريخية كانوا داخل الكرامة وانتصروا على غولدامئير وموشي دايان، وقدمنا الشهداء، فهل نحن ضعفاء الإرادة يا إخوتنا في الجبهة الديمقراطية ؟!!.

وفي حصار بيروت، وأيضاً في منطقة شمال لبنان، ألم نحشد كل قوانا وكل قياداتنا، وعلى المستوى الأول في التصدي للاجتياح الإسرائيلي، وصمدنا ولم نهزم ولم نرفع راية بيضاء ؟!!.

وفي منطقة الشَّمال حيث كانت منظمة التحرير في مهبِّ الريح وكان يجب تصفيتها، ألم يأتِ ياسر عرفات، وأبو جهاد، وخيرة ضباطنا وكوادرنا من الخارج ليقودوا  معركة حماية الشعب الفلسطيني، وحماية منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد؟.

أليست حركة "فتح" وقياداتها وضباطها وكوادرها، هي التي حملت الهمَّ الأكبر من أعباء إنقاذ "م.ت.ف" الممثل الشرعي والوحيد من الانهيار والزوال في الوقت الذي كانت فيه فصائل أخرى في موقف المتفرِّج .

ونحن لا نرجو، ولكن نتمنى على مجمل الفصائل التي اعتادت السباب والشتائم والتشهير والتحريض والتخوين، أن يقلعوا عن هذه السياسة العدمية لأنها من الأسلحة القذرة التي استُخدمت ضد ياسر عرفات حتى تاريخ استشهاده، والتاريخ اليوم يعيد نفسه من خلال المنهج ذاته وهذا مرفوض، وحركة "فتح" لا تريد شهادة حسن سلوك من أحد، فهي التي أسست الثورة وأطلقت الطلقة الأولى، وهي العمود الفقري لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهي بالتالي وهذا هو الأهم صاحبة القرار الوطني المستقل، لا تبيع ولا تشتري، وهمها الأول هو الهم الفلسطيني، وعلى كل الذين ينسون نذكرهم بأن حركة "فتح" بعد أوسلو عادت إلى أرضها، وأنها خاضت معركة النفق العام 1996 ضد جنود الاحتلال، وخاضت الانتفاضة الثانية منذ العام 2000 وحتى العام 2004 سياسياً وعسكرياً، وبالتالي نحن لا نريد شهادة حسن سلوك من أحد نحن اخترنا الطريق وسنكمّل المسيرة حتى النصر.

وإنها لثورة حتى النصر

قيادة حركة "فتح" في لبنان

إعلام الساحة

2019/12/9