ما فتئت حركة "حماس" الانقلابية ومن لفّ لفَّها عن مواصلة عملية التخريب والتشويش والإساءة للنضال الوطني الفلسطيني. وما بين فترة وأخرى تصرُّ على تأكيد تمسّكها بخيار الانقلاب الأسود على الشرعية الوطنية. فأمس الأربعاء الموافق 11/9/2019 أعلن أحمد بحر، عضو المجلس التشريعي المنحَل، "عدم شرعية الرئيس أبو مازن" استنادًا لقرار ما يُسمّى "المحكمة الدستورية الانقلابية"، التي لا شرعية لها، ولا شرعية لبحر وكل كتلة التغيير والإصلاح الانقلابية، ولا لأي عضو في المجلس التشريعي المنحل. ويأتي القرار المتهافت والضحل الجديد متزامنًا مع إعلان بنيامين نتنياهو أمس الثلاثاء (10/9) عن قراره في حال تمَّ تكليفه برئاسة الحكومة بعد الانتخابات القادمة (17/9) بضمِّ شمال البحر الميت والأغوار الفلسطينية، وبالتناغم مع مواصلة إدارة الرئيس ترامب الافنجليكانية بتنفيذ صفقة القرن المشؤومة والتصفوية، ومباشرة بعد مغادرة الوفد الأمني المصري لمحافظات الجنوب الفلسطينية، وكأنّ لسان حركة الانقلاب الأسود، يعلن بوضوح قاطع للقيادة المصرية، أنّ فرع جماعة الإخوان المسلمين ليس ملتزمًا بأية اتفاقات تتعلَّق بالمصالحة، ولا معني من قريب أو بعيد بالرعاية المصرية، وفي ذات الوقت تتقاطع الخطوة الانقلابية مع تصريح محمد العمادي البائس، المندوب القطري، التي أكَّد فيه، أنّه لا مجال لتحقيق المصالحة.
التصريح الجديد يكشف عن خيار "حماس" السياسي، وإصرارها على التكامل مع الرؤية الاستراتيجية لدولة الاستعمار الإسرائيلية، ومع صفعة العصر الأميركية لتصفية القضية الوطنية، والتأكيد على أنّها جزء لا يتجزأ من المشروع الاستعماري الأشمل، الذي يستهدف شعوب الأمة العربية، وتمزيقها، وتفتيت وحدتها، وخلق وإنشاء هويات قزمية لا تمت للواقع ولوحدة الشعوب العربية بصلة، وتعمل على حرف بوصلة نضالها الوطني والقومي. والمضي قدمًا كعقبة كأداء في طريق الكفاح التحرّري للشعب العربي الفلسطيني، رغم ادّعائها عكس ذلك. ولكنَّ شعاراتها المزيفة والديماغوجية، ليست سوى كذبة كبيرة لا تقبل القسمة على الواقع منذ تأسست جماعة الإخوان المسلمين في عام 1928.
ومُجدّدًا يمكن الجزم القاطع، لا شرعية فلسطينية سوى شرعية الرئيس محمود عبّاس، فهو رئيس الشعب المنتخب بإرادة الشعب العربي الفلسطيني مطلع عام 2005، وهو رئيس منظمة التحرير الفلسطينية المنتخَب من المجلس الوطني في دورته ال23 مايو/ أيّار 2018، والذي جدّد له الشرعية، وهو الرمز المعترف به عربيًّا وإسلاميًّا وأمميًّا. وبالتالي محاولات الإساءة للشرعية الفلسطينية، التي يمثّلها رمز النضال الوطني راهنًا، ليس سوى لعبة مفضوحة، وساقطة لا تسمن ولا تغني مروجيها من جوع.
نعم الشعب العربي الفلسطيني بحاجة إلى تجديد شرعياته الرئاسية والبرلمانية وعلى كل المستويات، ولكن الذي حال ويحول دون إجراء انتخابات حرة ونزيهة، هي حركة "حماس" الانقلابية، وليس أحدٌ غيرها. وهي التي تتمسَّك بخيار الإمارة الإخوانية على حساب وحدة الأرض والشعب والمشروع الوطني، لأنّها جزء من مشروع تآمري أوسع وأعظم، وكان انقلابها رأس حربة مخطط جماعة الإخوان المسلمين الأميركي الإسرائيلي، وعنوانه الأول تمزيق وحدة الشعب العربي الفلسطيني، وهو الهدف الأول أيضًا للمشروع الصهيوأميركي لبناء الشرق الأوسط الجديد، وهو ما عرى وفضح دور الإخوان المسلمين التخريبي في المنطقة عمومًا.
فضلاً عما تقدَّم، فإنَّ عقدة نقص الشرعية تطارد حركة الانقلاب الأسود ومن لفَّ لفَّها، لأنّها أولاً حركة انقلابية بامتياز، وثانيًا كونها ساقت الشعب الفلسطيني طيلة الأعوام الماضية الـ12 إلى متاهات التشظي وتهشيم الهوية الوطنية، ثالثًا ضربت في الصميم كل الهيئات والسلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، رابعًا "حماس" كحركة خاطفة للشرعية، ومنقلبة عليها، وعلى النظام الأساسي لا تمثّل أحدًا، وليست مخوّلة بالحديث لا بِاسم القانون ولا بِاسم الدستور (النظام الأساسي) ولا بِاسم أي شرعية، لأنّها نقيض كامل للشرعيات الوطنية، ومعادية لها، ومتآمرة عليها، وتعمل بمنهجية مدروسة على دفن الشرعية الوطنية في التراب خدمة للمشروع الصهيوأميركي ومن والاهم من أهل الإقليم. وبالتالي الحديث عن شرعية المجلس التشريعي المنحل، هو حديث فاقد الأهلية، ولا يعبر إلّا عن أدوات تخريبية فاشلة ومارقة وخارجة على القانون والنظام الأساسي.
من يريد الشرعية عليه أولاً أن يعود لحاضنتها، وثانيًا أن يلتزم بقوانينها وأنظمتها، ثالثًا أن ينفِّذ الاتفاقات المبرمة ويسلم مقاليد الحكم للحكومة الشرعية دون تأتأة أو تردد، رابعا أن يسمح بإجراء الانتخابات وفق ما نصت عليه اتفاقية تشرين أول/ أكتوبر 2017، إن كانت "حماس" جاهزة أهلاً وسهلاً، وإن لم تكن كذلك، عليها أن تداري عارها وتواطؤها مع نتنياهو وتنسيقها الأمني مع أجهزته الأمنية، وأن لا تفتح أبواب الحديث عن الشرعية، ومن هو الشرعي وغير الشرعي، لأنّها عدوة الشرعية، ونقيضها بالطول والعرض.