تحريرُ الضرائب على المحروقات من المقاصّة، بعد مفاوضاتٍ مُضنيةٍ مع الجانب الإسرائيلي الذي يمسك بشفرات المقاصّة، واستعادةُ هذه الضرائب بأثر رجعي، يُعَدُّ إنجازًا لافتًا للحكومة الفلسطينية، وهي التي تُعِدُّ الاستراتيجيات لتحرير الاقتصاد الفلسطيني من التَّبَعيّة للاقتصاد الإسرائيلي، وهذا ما سيجعل بروتوكول باريس بعد اليوم على طاولة التفكيك، وقد تمَّ اختراقه على نحو عَمَلي، فضرائب المحروقات تشكّل ثُلثَي الإيرادات العامّة للخزينة الفلسطينية.
ولا شكَّ أنَّ تحرير هذه الضرائب سيساهم إلى حدٍّ ما بحلحلة الأزمة الاقتصادية الراهنة، لكنَّها الحلحلة التي لا ينبغي أن توهمنا بأنَّها قادرة على حلِّ الأزمة الاقتصادية على نحو حاسم ونهائي، وسيبقى الهدف الأساس هو تحرير المقاصة كلّها من الهيمنة الجمركية والسياسية الإسرائيلية، وسيظلُّ الموقف الوطني الفلسطيني راسخًا، وعلى نحو لا يقبل المساومة، بعدم استلام أموال هذه المقاصّة إن كانت ناقصة قرشًا واحدًا، لأنَّ رواية الاحتلال الإسرائيلي عن شهدائنا وأسرانا لا يمكن أن تمر، ولن تمر.
ولا شكَّ أنَّ هذا ما جعل الحكومة توضح بما أعلنه رئيسها الدكتور محمد اشتية منعًا لأيِّ لبس، أنَّ نسبة دفع الرواتب ما زالت على حال الستين بالمائة، وأنَّ 110% التي ستُدفع كراتب عن هذا الشهر، هي هذه الستين + خمسين بالمائة من المستحقات التي للموظفين، والتي تراكمت منذ بداية الأزمة.
وعلى أيّة حال سنفهم من هذه الحلحلة أنَّ السلطة الوطنية، رئاسة وحكومة، لا تدع سبيلاً إلّا وتمضي في دروبه لا من أجل تسوية الأزمة المالية فحسب وإنَّما من أجل تعزيز مسيرة الحرية الفلسطينية، نحو انتصار مشروعها التحرُّري، ولا شكَّ أنَّ هذه الحلحلة هي التعبير الأمثل عن صواب الواقعية النضالية، للسياسة الفلسطينية باستراتيجيتها التي تخوض الصراع ضد الاحتلال الإسرائيلي، عبر تعزيز مقوّمات الصمود والبناء والتحدي والتقدُّم في دروب الحُرّيّة، خطوة إثر خطوة، لأنّه ما من ضربة قاضية في هذا الصراع.
خطوة كبرى إذًا لخطوات مُقبِلة وعلى هذا الصورة تكون المقاومة على طريق دحر الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطين المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية، وحيثُ الموقف والعمل أوّلاً، لا الشعار ولا خطب البلاغة الفارغة.