كان، وما زال هدف الحركة الصهيونية، وقاعدتها المادية، دولة (إسرائيل) تطهير أرض فلسطين التاريخية من أصحابها وسكانها الأصليين الفلسطينيين لتتحقق مقولتها وشعارها الناظم لاستعمارها الأرض الفلسطينية، القائل: "أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض". ولتحقيق هذا الهدف ارتكبت العصابات الصهيونية، وجيش الموت الإسرائيلي 126 مجزرة ومذبحة ضد أبناء الشعب الفلسطيني. ولكن خاب رجاؤها، لأنَّ النخب السياسية والثقافية والأكاديمية الوطنية، وحتى بسطاء الناس رفضوا هذا الخيار، وقطاع منهم عندما اضطر للهرب من مذابح عصابات الهاغاناة وإيتسل والبالماخ وهاشومير والأرغون وشتيرن.. إلخ الصهيونية لم يغادر أرض الوطن التاريخي، بل انتقل إلى مدن أخرى أكثر أمانًا داخل فلسطين، وحتى الذين طردوا ولجأوا إلى دول الطوق العربي، كان الافتراض لديهم، أنَّ لجوءَهم الاضطراري، هو لجوء مؤقت وفق بيانات قادة الجيوش العربية، الذين جاؤوا لفلسطين لمقاومة الغزوة الصهيونية، لكنهم كانوا يرددون تعليمات قياداتهم السياسية الرسمية المتورطة بنكبة الشعب الفلسطيني، ولم يفكروا للحظة، أنهم سيبقون 70 عاما في الشتات. بتعبير آخر لم يكن لجوء الفلسطيني الداخلي، أو الخارجي طوعيا، بل كان إرغاميًّا، وتطهيرًا عرقيًّا تحت سيف الإرهاب الصهيوني الفاشي، وما زالت دولة الاستعمار الإسرائيلية تواصل سياسة المجزرة والمحرقة ضدَّ أبناء الشعب الفلسطيني في كل فلسطين التاريخية دون استثناء.
وعليه فإن الإعلان الإسرائيلي عن الدفع الطوعي للشباب الفلسطيني عموما ومن قطاع غزة خصوصًا للهجرة، ليس جديدا، ولا حديث العهد. وإن كانت عملية التكالب والتقاطع بين مخطط دولة التطهير العرقي الإسرائيلية وحركة الانقلاب الحمساوية لتحقيق الهدف المعلن، هو الأمر الجديد، والتحول النوعي في مسيرة إقصاء وتهجير الشباب الفلسطيني عن أرض وطنه الأم. وكان محمود الزهار في أعقاب الانقلاب الأسود على الشرعية، عندما سئل عن أثر الانقلاب على تفريغ المحافظات الجنوبية من سكانها، قال: "من لا يعجبه الحال فليرحل، نحن باقون هنا، ولن نسمح للسلطة بالعودة"، كان هذا التصريح في الشهور الأولى من الانقلاب الأسود.
وحتى لا يعتقد البعض أنَّني أتجنّى على دور فرع جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين، لنعود لما آل إليه الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والأكاديمي والديني والبيئي، إنّه وضع مأساوي وقاتل، وطارد للحياة الآدمية، ومناف لأبسط شروط وحقوق الإنسان، إن كان من حيث تفاقم نسبة التلوث، وعدم صلاحية مياه الشرب، والنقص الحاد في كمية وساعات الكهرباء الواصلة للمواطن، والأهم ارتفاع هائل في نسبة البطالة بين الشباب من الجنسين، والحصار، وعدم فتح الحدود، وانتشار المخدرات والدعارة والفسق الديني والتجارة بالعباد باسم "المقاومة"، كل هذه العوامل ساهمت، وتساهم في ارتفاع نسبة الراغبين من الشباب بالهجرة من محافظات الجنوب، بعكس أبناء شعبنا في المحافظات الشمالية، أو الشباب من مدن وبلدات وقرى الجليل والمثلث والنقب والساحل حملة الجنسية الإسرائيلية الذين يعانون من شروط وتعقيدات أخرى، أو تقدم لهم تسهيلات إسرائيلية، أو من دول أوروبا الغربية والشرقية، أو من كندا وأمريكا.
ومع أنَّ نسبة الراغبين بالهجرة من قطاع غزة ارتفعت نسبيًّا قياسًا بما كان عليه الوضع قبل حدوث الانقلاب الأسود، الذي هو جزء لا يتجزّأ من المخطط الأشمل والأعمق، الذي يستهدف الوطنية الفلسطينية في الصميم، وليس الشباب فقط، لكنَّ المشروع الإسرائيلي الإخواني لن يمر، وديماغوجيا وشعارات التضليل عن "المقاومة" باتت بضاعة فاسدة ومفضوحة، لأنَّ من يريد المقاومة، ويريد تحرير الوطن، عليه أن يعيد الاعتبار لوحدة الوطن والأرض والشعب والقضية والأهداف الوطنية، ووحدة النظام السياسي الواحد، لا استمراء اختطاف القطاع، والسعي لتأصيل الإمارة الحمساوية التخريبية على حساب المشروع الوطني، وحرية واستقلال وسيادة الدولة الفلسطينية، وعودة اللاجئين لديارهم، والكف عن التواطؤ مع دولة الاستعمار الإسرائيلية، والولايات المتحدة لتمرير صفقة القرن المشؤومة.
وكما هزم الشعب الفلسطيني على مدار السبعين عاما الماضية الهدف والمشروع الصهيوني، والمتمثل بطرد الفلسطينيين من ديارهم، سيهزم الهدف المشترك الإسرائيلي الإخواني، وسيرد الصاع صاعين لهم، من خلال عودة الشرعية لمحافظات الجنوب، وعودة اللحمة والوحدة الوطنية قريبا، رغما عن الانقلابيين، والإسرائيليين والأميركيين وحلفائهم في التنظيم الدولي للإخوان المسلمين بفضل الشباب الفلسطيني المتمسك بأرض وطنه الأم، وبالانتصار لذاته وطموحاته الوطنية والقومية والإنسانية.