كثيرًا ما يُثار سؤالٌ في الشارع، أو اللقاءات الاجتماعية، أو الندوات وورش العمل السياسية، وحتى الثقافية والدينية، منها: ما هو الموقف الفلسطيني ممّا يجري؟ وأين هي القيادة الفلسطينية؟ هل هناك برنامج عمل لمواجهة التحديات؟ وكيف سنواجه الهجوم الأميركي الإسرائيلي في ضوء الواقع الحالي، الذي يحتمل الكثير من التأويلات؟ وغيرها من الأسئلة ذات الصلة بالصعوبات والأخطار المحدقة بالساحة والشعب العربي الفلسطيني.
  ومن دون مغالاة، أو مبالغة، أو زيادة في تقمُّص دور المدافع عن واقع الحال، فإنَّ الضرورةَ تُشير إلى أنَّ القيادة الشرعية، والشعب في كلِّ تجمُّعاته، وبكلِّ قواه ونخبه وقطاعاته يعيشون واقعًا صعبًا ناتجًا عن أزمة عميقة في المشهد الفلسطيني عمومًا، والمشروع الوطني خصوصًا. لكنّ هذا الإقرار المبدئي بالأزمة، لا يعني عدم وجود رؤية، وبرنامج عمل، وغيابًا عن متابعة التطورات الداخلية والعربية والإقليمية والدولية، بل العكس. فالقيادة الفلسطينية ممثَّلةً بشخص الرئيس محمود عبّاس كانت السبّاقة في التصدي للتحديات، ويمكن الجزم أنَّها استشرفت التحديات قبل وصول إدارة الرئيس الأميركي الحالي، دونالد ترامب بعامَين، عندما رفضت حكومة نتنياهو الثالثة الإفراج عن الدفعة الرابعة من أسرى الحُريّة في نهاية آذار/ مارس ٢٠١٤، وتلت ذلك دعوة المجلس المركزي للانعقاد في آذار/ مارس ٢٠١٥، ونتجت عن دورته الـ٢٧ جملةٌ من القرارات السياسية المهمة، منها موضوع الوحدة الوطنية، والتمسُّك بطي صفحة الانقلاب، وفتح الباب لاستعادة الشرعية وحكومتها مكانها في المحافظات الجنوبية، وأيضًا تمَّ التوقُّف بشكل عميق أمام التجاوزات والانتهاكات الإسرائيلية للمصالح الوطنية، واتُّخِذت العديد من القرارات ذات الصِّلة بهذا الأمر.
  ومع صعود إدارة ترامب لسدّة البيت الأبيض، وانكشاف وجهها القبيح والعدواني، دعت القيادة المجلس المركزي لثلاث دورات متعاقبة قبل انعقاد المجلس الوطني في دورته الـ٢٣ في مدينة رام الله بتاريخ ٣٠-٤ حتى ٣-٥-٢٠١٨، وبعد ذلك، وتبنّى المجلس الوطني برنامجًا وطنيًّا متقدّمًا في عناوينه المرتبطة بالعلاقة مع دولة الاستعمار الإسرائيلية لجهة تعليق الاعتراف بإسرائيل، ووقف التنسيق الأمني وكلِّ أشكال التنسيق معها، وإعادة النظر بكل الاتفاقيات الموقعة معها ومنها اتفاقية باريس، والانفصال المالي والاقتصادي عن دولة الاستعمار، وغيرها من القرارات الاستراتيجية، والتي خوّلت القيادة ممثّلةً باللجنة العليا، التي صادق على تشكيلها المجلس المركزي لتطبيق وترجمة القرارات في الوقت المناسب.
  وعلى صعيد مواجهة الإدارة الأميركية وقراراتها العدوانية ضدَّ الأهداف والمصالح الوطنية اتَّخذت القيادة الشرعية سلسلةً من المواقف الشجاعة والمتقدّمة، بدءًا برفض الاعتراف الأميركي بالقدس العاصمة الفلسطينية، كعاصمة لدولة الاستعمار الإسرائيلية، ثُمَّ رفضت نقلَ السفارة من تل أبيب إلى القدس، وأيضًا وقفت مُتحديةً إدارة ترامب في المنابر العربية والإسلامية والأممية كافّةً، ولم يترك الرئيس عبّاس منبرًا، أو قطبًا دوليًّا إلّا وخاطب قيادته مباشرة وطالبه بدعم كفاح وحقوق الشعب الفلسطيني وإعادة الاعتبار لخيار السلام وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران/ يونيو ١٩٦٧ وغيرها من المواقف الصلبة والشجاعة ضدَّ انتهاكات أميركا للقانون الدولي، ومرجعيات السلام، وكانت آخرها ورشة المنامة الأميركية، التي جيّشت القيادة حملةً وطنيةً وقوميةً وأمميةً لفضح أهدافها، وهو ما أفقدها الدور المأمول منها.
  لكنَّ هذه المواقف المتميّزة والشجاعة تحتاج إلى ترجمات، لا سيّما أنَّ أميركا وإسرائيل الاستعماريّتَين تشنّان حربًا ضروسًا ضدَّ الأهداف والمصالح الأميركية، وللأسف تستفيدان من الواقع العربي الضعيف والمتهالك، بالإضافة لتساوق العرب مع الرؤية الأميركية الإسرائيلية في حرف بوصلة الصراع في المنطقة والإقليم، والتخلي طوعًا عن أولويات مبادرة السلام العربية، والشروع في التطبيع المجاني إلخ.
  باختصار هناك حاجة إلى الآتي:
  أولاً، عقد دورة للمجلس المركزي لوضع الآليات لتنفيذ مجموعة القرارات، التي اتّخذها المجلس نفسه في دوراته الـ٢٧و٢٨و٣٠ ودورة المجلس الوطني.
 ثانيًا، العمل بكل الوسائل لطي صفحة الانقلاب على الشرعية.
  ثالثًا، تصعيد للكفاح الشعبي الفلسطيني.
  رابعًا، تعزيز الوجود الفلسطيني في المنطقة (C)، وتصعيد التصدي لحركة الاستيطان الاستعماري.
  خامسًا، رفع الصوت في وجه أهل النظام الرسمي العربي، ومطالبتهم بالوقف الفوري للتطبيع المجاني، وإلزامهم جميعًا بتأمين شبكة الأمان المالية لموازنة الشعب الفلسطيني.
سادسًا، تطوير شبكة التحالفات مع أقطاب العالم، والاستفادة من التحولات الجارية في العالم.
 الكثير من القرارات لم أُشر لها، لأنَّ الهيئات المركزية تبنّتها في اجتماعاتها السابقة، وبالتالي الرؤية الوطنية الفلسطينية موجودة، والمواقف واضحة وصريحة، الباقي نقلها لحيّز التنفيذ والتطبيق، ولن يطول الانتظار حتى ترى النور قريبًا.