سأبدأ بالمثل الشعبي، الذي يقول "راحت السكرة، وإجت الفكرة!"، الذي ينطبق على نتنياهو وقيادة الليكود، الذين هربوا لجادة الانتخابات بعد أن فشل زعيمهم في تشكيل حكومة في أعقاب انتخابات الكنيست الـ21 في التاسع من نيسان/ أبريل الماضي، خشية أن يكلف الرئيس ريفلين زعيم حزب أزرق ابيض "كاحول لافان" غانتس بتشكيل الحكومة، أو حتى من نواب حزب الليكود نفسه، وبالتالي يصبح الباب مفتوحا على مصراعيه لدخول الهارب من وجه العدالة إلى حيث يجب أن يكون في السجن لتورطه بأربع قضايا فساد، متسلحا بتربعه على رأس حكومة تسيير الأعمال، ومستفيدا من دعم أركان ائتلافه اليميني المتطرّف.
لكنهم اكتشفوا أن تسرعهم باللجوء لانتخابات جديدة للكنيست الـ22 في 17 أيلول / سبتمبر المقبل، لا ينقذ رأس زعيمهم الفاسد، بل إن قيود وسلاسل السجن باتت تقترب أكثر فأكثر من يديه، وللالتفاف على الانتخابات طرح يولي أدلشتاين، رئيس الكنيست يوم الأربعاء الماضي، فكرة إلغاء الانتخابات، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، بذريعة، أن القوى والأحزاب والكتل الصهيونية لا تريد الانتخابات، وعبروا عن رفضهم لها، لأنها تكلف موازنة الدولة أموالا طائلة، وتستهلك جهد المجتمع الإسرائيلي. ووفق مصادر الكنيست، أن يولي استند على رأي رجلي قانون، حيث تعود الكنيست من عطلة الانتخابات بقرار من رئاستها، ومن ثم بقرار من اللجنة المنظمة، وبعد عودتها تقوم بسن قانون إلغاء حلها في إجراء عاجل.
ويفترض أن يتضمن القانون في حال تم سنه تغيير أجزاء من القانون الأساسي بشأن الفترة المتاحة لتشكيل الحكومة، لأن نتنياهو لم يكن قادرا على تشكيلها خلال الفترة الزمنية المحددة لذلك، وهو ما سيتعين على الرئيس الإسرائيلي أن يقرر ما إذا كان سيكلف عضوا آخر من البرلمان بتشكيلها. غير أن المستشار القانوني للكنيست إيال يانون، قال "لا يمكن إلغاء قانون حل الكنيست". ووصفه بأنه "نقطة اللاعودة".
كما أن العودة لنتائج الكنيست السابقة الـ21، تفرض على نتنياهو تحشيد 80 أو 90 نائبا، لاسيما وأن الذين صوتوا لصالح حلها بلغ 74 نائبا. أضف إلى أن زعيم أزرق أبيض، غانتس رفض اللعبة الليكودية، وأصر على الذهاب للانتخابات الجديدة، وكذلك كل قوى المعارضة ترفض مقترح الليكودي إدلشتاين. وهو ما يعني أن المناورة الجديدة للملك الفاسد وأنصاره لم تنطل على أحد من قوى المعارضة، حتى أن هناك مقربين من نتنياهو ضاقوا ذرعا من زعيمهم، كما ذكر يوم الأربعاء الماضي إيهود باراك في مؤتمره الصحفي، وبالتالي اللعبة السمجة والمكشوفة لرئيس الحكومة الملاحق بقضايا الفساد وصلت لطريق مسدود، وأغلقت الطرق أمامه.
وفي ضوء ما تقدم، لم يبق أمام حزب الليكود وزعيمه سوى الشروع من الآن بإيجاد بديل عنه، واختيار خلف يحافظ على مكانة الحزب في المشهد الحزبي والسياسي، والبديل موجود، وهو جدعون ساعر، وهو ليس أقل يمينية من نتنياهو. ولكن بيبي يخشاه أكثر مما يخشى غانتس، زعيم التكتل المعارض، وبينهما ما صنع الحداد من الخصومة، أو هناك سيناريو آخر، هو اللجوء لإشعال جبهة من الجبهات بهدف خلط الأوراق في الساحة الإسرائيلية، والدفع بتأجيل الانتخابات، وتحسين فرص إنقاذ رأسه من الدخول للسجن، وهو مكانه الطبيعي، أو ان يحدث تطورا دراماتيكيا في إسرائيل الاستعمارية، أو على مستوى الإقليم.
ومن الواضح أن بنيامين نتنياهو لن يعدم الحيلة في البحث عن مخرج سياسي، أو قانوني لإنقاذ رأسه من السجن، والمحافظة على البقاء في كرسي الحكم. لكن بقدر ما لدى زعيم الليكود من الألاعيب، بقدر ما لدى الآخرين من المعارضة من الرغبة الجامحة بإسقاطه، والتخلص من حكمه. وقادم الأيام كفيل بإعطاء الجواب على أزمة الحكم في إسرائيل.