هل استطاع الجانب الأميركي مُنحازًا ومنفردًا وبإدارة لا تمتلك خلفيات ناضجة أو حيادية عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، أن يجترح حلّاً لهذا الصراع؟

إذا كانت الإجابة نعم، فهل يمكن اعتبار الذهاب باتّجاه عقد مؤتمر اقتصادي بدعوة أميركية ورعاية "إقليمية"، مع تغييب واضح للاتحاد الأوروبي مؤشّرًا حقيقيًّا على الرغبة بطرح المبادرات لإنهاء احتلال أرض الشعب الفلسطيني بالقوة، لما يزيد عن سبعين عامًا تحقيقًا لمشروع استعماري، يُعَّدُ الاقتصاد أحد الأوجه المعلنة له منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر؟ أم أنَّ الأمر لا يتجاوز في أقصاه إعادة توظيف لرؤية الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة التي تسعى لتمرير تعاون اقتصادي يعمل على توطيد منظومة من مصالح المال والأعمال، ترسِّخ الواقع السياسي الحالي بلا أفق أو حل مبني على قرارات المنظومة الدولية بإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية، وباتجاه تمرير توسعاتها الاستعمارية تحت مسمّى "السلام الاقتصادي"؟

وإذا تجاوزنا مسألة الإعلان المتكرّر عن "صفقة القرن" وليس عن مضمونها كمحاولة للتدجين بالقوة وإدارة المنطقة بعقلية فيتنام جديدة، فهل يمكن تجاوز محاولة نسف الشراكات التاريخية في عملية السلام؟

إنّ تحييد الاتحاد الأوروبي كشريك تاريخي في عملية السلام عن مؤتمر البالونات الاقتصادية الذي يُروَّج له، أمر ينبغي على أوروبا الوقوف أمامه طويلاً كما نقف نحن مطوّلاً أمام شكل وطريقة توزيع الدعوات لهذا المؤتمر، وحيث تمَّ توجيهها من قبل الإدارة الأميركية، كدعوات شخصية، لا يمكن تداولها، ولشخوص يمثلون أنفسهم، لا الشعب الفلسطيني.

هذه الأسئلة وغيرها تسلِّط الضوء على ما هو أبعد من حيثيات عقد مؤتمر المنامة وأهدافه، إلّا أنها لا تعني بحال أنَّ المؤتمر بحد ذاته لا يتجاوز إطلاق رصاصات سياسية في الهواء الإقليمي الجاف، وأنّه جزء من التهويمات السياسية للإدارة الأميركية التي لا تمتلك رؤية أو على الأقل رؤية حيادية للحل، وتسعى لوضعنا بين فكي كماشة وهما: التخدير بالسلام الاقتصادي والذي يَعِدُ بتشكيل منظومة مالية مشتركة تدافع عن مصالح الاحتلال والقبول بمشاريع تصفوية تضمن تقزيم القضية الفلسطينية إلى مسألة اقتصادية وليس كحق تاريخي، ومحاولة تقزيم التمثيل الفلسطيني التاريخي إلى شخوص لا يملكون أي تفويض أو سلطة تمثيل. أمّا الطرف الثاني لهذه الكماشة فيتمثَّل بتغييب الاتحاد الأوروبي كشريك في عملية السلام ومحاولة نسف دوره وضمان عدم تأثيره في مستقبل المنطقة لا سيما وقد فشلت محاولات إخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ما يعني بقاء أوروبا موحّدة، الأمر الذي لا ترحب به سياسة القطب الواحد.

لن يتمخَّض مؤتمر المنامة عن أيّة خطوات ملموسة باتجاه أهدافه المعلنة، وسيمر كما عقد، لكنّه سيكون خطوة إضافية تبني على إغلاق مقر منظمة التحرير في واشنطن، ومحاولة اختلاق بدائل لمنظمة التحرير روِّج لها بشكل جيد، والاستمرار بالالتفاف على الشعب الفلسطيني وحقوقه وقيادته، وهذه المرة ليس بحصار رئيسه في مقرّه، بل بحصاره تمثيليًّا، وبالسعي إلى نسف الشراكات التاريخية للأوروبيين في مستقبل المنطقة، لا سيما وقد تصدّى الاتحاد الأوروبي للموقف الأميركي من القدس من خلال قراره برفض نقل سفارات الاتحاد إلى القدس، وإجراءاته لدعم المقاطعة الاقتصادية للكيان الاستعماري، تلك المقاطعة التي تحاربها أميركا بشراسة مخالفة دستورها الأساسي.

سيكون لهذا المؤتمر تمثّلاث أعمق وأخطر مما هو معلن، القرار الفلسطيني بعدم المشاركة فيه واضح، ويجب أن ترافقه حملة تعبئة سياسية وإعلامية تناقش وتحذر من السيناريوهات المخفية، وتوضح الموقف الفلسطيني. ودون أن نطلق النار على أرجلنا أو على الصور المضخمة التي تخلقها سياسة المرايا والانعكاسات الأميركية، سيكون علينا أن نسلِّط الضوء على قضيتين رئيستَين: أنَّ الاتحاد الأوروبي شريك رئيس في عملية السلام نرفض إقصاءَه عن المشهد أو تحييده تحت أي مسمّى، وأنَّ العنوان التمثيلي للشعب الفلسطيني واضح ولا يمكن تجاوزه.