ماذا أفعل أول يوم في الدورة؟ دعونا نعرج بعيدا قليلا عن فن إلقاء المحاضرة أو فن الحديث الى ذات الدورة، وفي أول أيامها إن كنتم إلى قدرتكم الكلامية منظمين أو مديرين للدورة.

فإليكم ملخص لما نفعله في أول يوم، وهذا بالطبع بعد ان نكون قد أنجزنا مراحل عملية التدريب الأربع الرئيسة من تحديد الاحتياجات ثم تصميم البرنامج ثم التنفيذ وصولا للتقييم والتطوير.

عندما سُئلت في أحد محاضراتي حول "المرساة في التدريب" وإعداد الكادر، وهو عنوان كتابنا بالحركة حول التدريب ماذا أفعل أول يوم في الدورة لتحقيق التواصل والاتصالات والتعارف والبداية الجيدة، طلبت منهم أن يمهلوني وقتا وأجيبهم بالغد.

فكرت مليا وحاولت أن اختصر في الإجابة، ثم ذهبت إلى مكتبي وقرأت كتبا عديدة بذات الموضوع، وتمثلت من التجربة الكثير، وطبعت بضعة وصايا باعتقادي مفيدة وقادرة على تحقيق التواصل والجودة.

وصايا للمدرب كمدرب ومنشط بالدورة، وفي جزء منها يصدق مع المتحدث/الخطيب/المحاضر، من خبرة دامت أعواما طويلة[1] هي بملخصها كالتالي:

قم بتوضيح أهداف البرنامج والدورة.

استعراض مراحل البرنامج (و/أو توزيع نقاط البرنامج).

استقبل توقعات المشاركين.

ضع بين عينيك لافتة تقول : (انتم مشاركون لا تلاميذ).

وضّح قوانين الدورة، أو اتفقوا عليها.

عرّف نفسك، بالاسم والمعارف والعمل والأهداف، ودعهم يعرفون أنفسهم.

(اكسر الجليد) بالتعارف الإبداعي.

اهتم بالدقائق العشر الأولى من تدريبك[2[.

عامل المتدربين كما تحب أن تعامَل، ولا أفضل من المصداقية والاحترام والثقة.

حافظ على مسافة مع الجنس الآخر، فلا تتباسط كثيرا.

اثنِ على المتدربين، واشكر أي مساهمة وتفاعل ايجابي.

اهتم بالجميع بالسؤال والجواب وإعطاء المساحة للحوار.

نقّل بصرك بين الحاضرين، بخفة وثقة ولطف.

لا تظهر مثاليا كاملا، فإن اخطأت لا يضيرك.

اذا عرضت "شرائح العرض الضوئي" استخدم بكل شريحة سطر الى 3 فقط وبخط كبير، أو استخدم قاعدة 3*3 أي 3 أسطر في كل سطر 3-5 كلمات فقط.

تعلم من أخطائك، فلماذا أنت متحدث أو مدرب او كادر إن كنت لا تتعلم فلك أن تعلم أن الصخر يتعلم ويُرسم عليه فيبدو أكثر بهاءً مع الزمن.

تكلم بلغة عربية سليمة، ولا تتذاكى بالأجنبية، فأنت ابن لغتك وحضارتك وثقافتك واللغة كما يقولون ليست وعاء فقط وإنّما حياة، ودعوني اقتبس لكم من الغرب حيث يقول المستشرق الفرنسي "لوي ماسّنيون": "لقد برهنت العربية أنّها كانت لغة علم، بل وقدّمت للعلم خدمات جليلة باعتراف الجميع، كما أضافت إليه إضافات يعترف لها بها العلم الحديث، فهي إذن لغة غير عاجزة البتّة عن المسايرة والترجمة والعطاء بنفس الرّوح التي طبعتها على امتداد قرون خلت، إنها لغة التأمل الداخلي والجوّانية، ولها قدرة خاصّة على التجريد والنزوع إلى الكليّة والشمول والاختصار، إنها لغة الغيب والإيحاء تعبّر بجُملٍ مُركّزة عمّا لا تستطيع اللغات الأخرى التعبير عنه إلاّ في جُمَلٍ طويلة ممطوطة".

في فن إبراز القوة: تجاوز العقبات دون إظهار الضعف، لأنها ظاهرة لك فقط.

ليكن جلوس المشاركين بيضاوي على شكل حذوة حصان، معظم الحالات على أرجح الآراء.

لا تسمح لأحد من المشاركين بالاختباء خلف آخر، سواء بالجلوس او بترداد أجوبه الآخرين دون ان يدلو بدلوه إن كنت تسألهم.

بمرح وابتسامة ولطف اطلب من المشاركين التجاوب وبلغة جسد إيجابية.

اذا خرجت عن السياق، اخبر المتدربين أو الحاضرين.

ابتسم في مواجهة الحاضرين ولا تعبس، فلم يتحملوك كئيبا! ألا يكفيهم كآبة! أنهم جاءوا ليسمعوك مفترضين الملاحة والطرافة والمتعة والإفادة!

(ارمِ الكرة) في حالة الموقف الصعب، وهذه الحيلة كثيرًا ما تنجح.

لا تفقد المتدرب، أو الجمهور بتعمد إهماله، فأنت لا تكلم نفسك أو تستعرض بنرجسية فقط.

وزع (وزعوا) المسؤوليات (كشف الحضور / الباب/ اللوح/...)

الانطباع الأول: اشغلهم بدلا من أن ينشغلوا بك، اشغلهم بمحبة بإثارة التساؤلات، أو بفتح الآفاق الرحبة للمعرفة، أو باعطاء شذرات جميلة وقصص مثيرة، أو بطرح الأسئلة عليهم.

اضف متعة للتدريب بالقصص والحركة والصور والطرافة ذات الصلة، واتقانك لفن الحديث.

لتحسين اتصالنا دوما حدد رسالتك منذ البدء، أي كن على معرفة تامة ماذا تريد قوله وماذا تريد تركيزه وترسيخه أي ما هو هدفك.

وكمدرب أو خطيب لا تفعل التالي: لا تصدر الأحكام على الناس، فما شأنك أنت بالقصير والطويل والعاقل والمغفل! ولا تنحاز لطرف في الحوارات، ولا تقدم رأيا مطلقا حاسما، افتح المساحات للتفكير، ولا تحوّر آراء المتدربين كما عليك الإجابة المفتوحة أي لا تجب عن الأسئلة بشكل مباشر لتفتح الذهن، والى ذلك لا تنهي الفعالية دون نقاش، كما لا عليك أن تحكم على الهادئ بالضعف أو عدم التفاعل فتخسر.

وقبل أن اختم هنا لكم النظر في الطرفة الاتصالية التالية عن أثر لغة الخطاب على الطرفين، وهي: "قصة أحد تجار العراق في زمن مضى يُقال انه صادف مجنوناً وسأله بلغة متزنة عن المتاع الذي يريد التاجر أن يحتكره ليحقق له الربح، فرد عليه المجنون وقال: إنْ أردتَ الربح فاشتر حديداً وفحماً؛ فاشترى التاجر حديداً وفحماً وأودعهما في المخزن لمدّة من الزمن، ولمّا احتاج إلى ثمنهما، وكان قد ارتفع سعرهما، باعهما وربح كثيراً.

وفي المرة الثانية صادف التاجر المجنون وسأله ولكن هذه المرة بلغة متعالية، قائلاً: يا مجنون ما الذي اشتريه وأحتكره ليعود عليّ بالربح هذه المرة؟ فقال المجنون: «عليك بالثوم والبصل» فانطلق التاجر واشترى الثوم والبصل بكل ما يملك من أموال ووضعها في مخازنه، وبعد أشهر جاء التاجر وفتح أبواب المخزن فوجد الثوم والبصل قد فسدا، وأدرك أن عليه التخلص من هذه البضاعة، وامتعض من المجنون وقال له: بم أشرتَ علي؟ فقال: لقد استشرتني أولاً فخاطبتني بخطاب العقلاء فأشرتُ عليك بما يشيرون، لكنك لمّا استشرتني ثانياً خاطبتني بخطاب المجانين فأشرتُ عليك بمشورتهم."[3[.

الحواشي

[1] من مدونة الكاتب والباحث بكر أبوبكر www.bakerabubaker.info

عند كثير من الكتاب اهتم في كلمتك او محاضرتك بأول 3 دقائق، وليس 10، وفي نقلة جديدة اهتم بأول 7 ثوان![2[.

من مقال الكاتب ساعد الثبيتي في صحيفة الحياة تحت عنوان: لغة الخطاب يا اولي الالباب في 18 مارس 2019[3[.