"إنّ منظمة التحرير وقبلها جميع الأنظمة العربية صُنِعَت صناعةً لحماية هذا الكيان" - يقصد (إسرائيل)- "أنا أعلمُ وهو يعلم" – يقصد زميله إيلي كوهين – "أنَّ هذه الأنظمة بما فيها منظمة التحرير الفلسطينية قد أُنشِئَت وهي تقوم بأكبر عملية تمثيل في التاريخ، العداء في الظاهر وحقيقة كانت تقوم بتثبيت هذا الكيان".

هذا الكلام الخطير جدًّا نطقَ به حرفيًّا (أكاديمي) أستاذ في العلوم السياسية والإعلام في جامعة فلسطينية عريقة، ليس في محاضرة أو لقاء خاص وإنما في الدقيقة (24:08) من برنامج الاتجاه المعاكس الذي بثَّته قناة الجزيرة الفضائية للعرب.

لا يتعلَّق الأمر برأي أو موقف تجاه سياسة ما تتّبعها منظمة التحرير، وإنَّما بمدى وعمق اندماج وانسجام هذه النموذج مع الجبهة المعادية لحركة التحرر الوطنية الفلسطينية رغم مساعيها لتسويق نفسها كشخصيات أكاديمية أو إعلامية، لكنَّها في حقيقة الأمر شخصيات منفردة ومتفرّدة تميّزت بجرأة (محسوبة)، وقرّرت استعداء الشعب الفلسطيني حتى لو كان ثمن ذلك الانتحار المعنوي الذاتي.

لا يؤثّر هذا (الأكاديمي) على الحقائق التاريخية، لكنَّنا لا نستطيع تجاهل تأثيره المباشر على طلبة الجامعات الذين يتلقون علوم السياسة والإعلام منه، لأنَّ الأخطر من قضية الجهر بالعداء للممثِّل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني واتّهامها بأنَّها صُنِعَت لتمكين وتثبيت كيان (إسرائيل) وهي النقيض لوجود شعب ودولة فلسطين، هو تمكين هذا النموذج من تكوين ذاكرة أجيال من الفلسطينيين على الصعيدين المعرفي والثقافي، خاصةً إذا علمنا أنَّ الخطر من جريمة التجسس والعمالة للاحتلال كامن في الشخصية الكاذبة والمتناقضة في أفكارها وطروحاتها وتوجهاتها والتي تحتل مكانًا بارزًا في مؤسسات التعليم والثقافة، فسلاح هذه الشخصية يُدمّر عناصر تكوين المجتمع، ويعرقل بلورة الهُويّة الوطنية، ويصدم الوعي الوطني الفردي والجمعي ويشل قدرته على التركيز بضربة واحدة، عكس العميل الذي قد يتسبَّب بقتل فرد أو بضعة أفراد، أو الجاسوس الذي قد تتسبّب معلومات هرَّبها للأعداء في التأثير على مصالح محددة في البلاد.

كان التناقض والكذب حاضرين إلى جانب الجهر بجريمة تخوين المنظَّمة بادّعاء أنّها صنعت لتثبيت الاحتلال، فيما غيّب هذا النموذج الحقائق والوقائع كأدلة وبينات لدحض رواية الصهيوني العنصري المتعجرف المستكبر ايلي كوهين، وزاد على كلِّ ذلك أنّه مكَّن (كوهين) وقدَّم له مفاتيح كلام غير مسبوق جعلت هذا الكوهين يقولها بعدائية صريحة ناكرة لوجود شعبنا : "مَن أنتم؟! أنتم لا تاريخ ولا حاضر لكم"، فكان الضلع الأطول بجدارة في مثلّث تشوية صورة الشعب الفلسطيني الذي رأيناها وسمعناها أمس الأول الثلاثاء على شاشة انعدم فيها الرأي الآخر تمامًا، ورغم ذلك فإنَّه لم يجرؤ على قول مثل الذي نطق به أستاذ الإعلام والعلوم السياسية في الدقيقة (35:30) من البرنامج عندما قال: "لا يوجد للشعب الفلسطيني ممثِّل.. آخر تمثيل حقيقي تمَّ ولمرة واحدة في التاريخ كان في 2006 وبعدها لم يتم تجديد الشرعية.. ولن يتم"!!!

أمَّا عن سيولة التناقض في حديث مدته عشر دقائق في حلقة برنامج ما زادت عن خمسين دقيقة فقد برزت في الدقيقة (38:22) عندما قال: "الأنظمة العربية كانت تتآمر على منظمة التحرير وتتآمر على المقاومة الفلسطينية" ناسيًا ما قاله في الدقيقة 24 بأنَّ الأنظمة بما فيها منظمة التحرير صُنِعَت لتثبيت (إسرائيل)؟!

أمّا ما قاله في الدقيقة (48:50): "أنا رجل فلسطيني لا أومن بهذه الأحزاب"، بعد أن وصفه كوهين كممثِّل عن حماس، وقوله: "إنّ كتائب القسام في غزة هي الأمل الفلسطيني الوحيد"!! فكأنَّه كواحد منافق في زمن الجاهلية يقول أنا لا أؤمن بالأصنام، لكنَّ هبل واللات والعزة أملي الوحيد!!

كان على أستاذ العلوم السياسية والإعلام أن يعرف قبل ارتكاب الجريمة بحق المنظَّمة أنَّ المادة رقم 4 من ميثاق المنظمة ونظامها الأساسي نصت على التالي: "الفلسطينيون جميعًا أعضاء طبيعيون في منظمة التحرير الفلسطينية يؤدون واجبهم في تحرير وطنهم قدر طاقاتهم وكفاءاتهم والشعب الفلسطيني هو القاعدة الكبرى لهذه المنظمة"، لأنَّه لو أدرك ذلك بعقل الدكتور الأكاديمي لمنع نفسه عن الاندفاع في جريمة سيرى كلُّ فلسطيني وطني أنَّه مستهدَف بها، وربما لقطع لسانه قبل أن يتلفَّظ بمنطق شيطاني حيث وضع مئات آلاف الشهداء والأسرى والجرحى الفلسطينيين في خانة التضحية من أجل تثبيت دولة الاحتلال (إسرائيل).

يحقُّ لكلِّ ابن وابنة شهيد وأسير مقاضاة هذا (المنفرد)، ويحقُّ لكلِّ مواطن وعضو في المنظّمة ممارسة هذا الحق وأنا في مقدمتكم، وقد فعلته وبات رقم الشكوى للنيابة العامة بحوزتي، ويحقُّ لرئاسة الجامعة إسقاطه عن كرسي التعليم إلى الأبد، فجامعة بيرزيت منارة وطنية كانت وستبقى إشعاعًا معرفيًّا وتعليميًّا وحضاريًّا لشعب فلسطين وممثّله الشرعي والوحيد منظمة التحرير الفلسطينية.