أدعي أنني من اوائل من نادى وكتب عن التحلل من، وحل كل المؤسسات في محافظات الجنوب بعد الانقلاب الأسود مباشرة، ودونت ذلك، وأعلنته على الفضائيات المختلفة. وطالبت بفرض عقوبات عدة على حركة الانقلاب لإعادة الشرعية لدورها ومكانتها. كما واعتقد انني من أوائل، الذين شخصوا ما حصل في الـ 14 من حزيران/ يونيو 2007 باعتباره انقلابا من قبل حركة حماس على الشرعية الوطنية. وعندما اعتقلت عند ميليشيات حركة حماس في الـ14 من ديسمبر/ كانون الأول 2007 خمسين يوما، طيلة المدة كان حوارهم معي، إن ما حصل ليس انقلابا، لأنهم كانوا يخشون وصمهم بالانقلابيين، وبأن ما قاموا به ليس انقلابا على القانون والشرعية، انما هو حسم عسكري للصراع الدائر بين كتائب القسام والقوة التنفيذية التابعة لهم مع الأجهزة الأمنية الشرعية، التي عملت على الحؤول دون تولي حركة حماس مسؤولياتها في قيادة السلطة، وفق رؤيتهم.
ما قالوه لم يكن صحيحا على الإطلاق، لأن لهم الغلبة في المجلس التشريعي (76 نائبا)، وايضا كان رئيس حكومة الوحدة الوطنية منهم، وهو إسماعيل هنية، الذي يتربع الآن على رئاسة الحركة، وكل المنظومة الأمنية والسياسية والإدارية الحكومية كانت تعمل معهم بانتظام، وكان الرئيس محمود عباس يدعم الحكومة وقيادتهم لها، باعتبارها حكومته، فضلا عن انه، هو الذي صادق على إقامة القوة التنفيذية الخاصة بهم في الـ17 من مايو/ أيار 2006 وقوامها 3000 عنصر من حماس، وتتبع لوزير الداخلية آنذاك سعيد صيام وقادة كتائب القسام، الذراع العسكري لفرع جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين لطمأنتهم، وتعزيز الثقة بينه وبينهم. ولكنهم كانوا يبيتون للانقلاب الأسود، وأخذوا ما شاءوا بالانتخابات، وانتزعوا ما انتزعوا من المراسيم الرئاسية، ثم انقلبوا على حكومة الوحدة الوطنية والشرعية واتفاق مكة شباط/ فبراير 2007.
وأدعي انني من أصحاب الرأي القائل "بأن كل يوم يمر على الانقلاب، يتضاعف ثمن الخسائر الوطنية وعلى كل الصعد، ويتعزز خيار تكريس الإمارة البغيضة على محافظات الجنوب الفلسطينية". وبعيدا عن تحميل الهيئات القيادية الخلل في تشخيص العملية الانقلابية، ودون نكء الجراح، والقاء المسؤولية على البعض من الصف الوطني عما آلت إليه الأمور، وللخروج من نفق التلعثم، والتردد طيلة الأحد عشر عاما الماضية، فإن اتخاذ خطوة حل المجلس التشريعي، والانفكاك من كل المسؤوليات المتعلقة بالقطاع باستثناء موظفي السلطة ومنتسبي الأجهزة الأمنية التابعة للشرعية مشروعا وضروريا، وتأخر كثيرا وكثيرا جدا.
والأمر لا يحتاج لا لشرح المادة 47 مكرر، ولا للمادة 35، ولا للمادة 43، ولا لأي مادة من النظام الأساسي، ولا لتفسير المحكمة الدستورية للقانون الأساسي، وشرعية حل أو عدم حل المجلس التشريعي، لأن الانقلاب بحد ذاته، كان انقلابا على القانون الأساسي، وعلى نظام الحكم السياسي الرئاسي، وعلى منظمة التحرير ومرجعياتها، وعلى منظومة الحياة السياسية والقانونية والاقتصادية والثقافية الفلسطينية. وبالتالي التلكك والتذرع باتفاقيات المصالحة، وغيرها من الذرائع الباهتة، التي كشفت، وتكشف عجز القوى السياسية المختلفة من ألفها إلى يائها، ليست أكثر من هروب وإفلاس عن مواجهة الواقع، وخشية من تشخيص الانقلاب ودوره التخريبي على العملية الوطنية برمتها.
ومحاولة البعض اتهام الشرعية الفلسطينية والرئيس عباس بأنها انقلبت على النظام السياسي، فيه نكوص وهزيمة داخلية عند أصحاب وجهة النظر المذكورة، وفيه قلب للحقائق القانونية والسياسية، ومحاولة لتبرئة الذات من المسؤولية التنظيمية والوطنية عن أحد عشر عاما مضت من الخيبات والاستسلام لمشيئة وبلطجة الانقلابيين، ضاعفت من أزمة المشروع الوطني، وقدمت خدمات مجانية لدولة الاستعمار الإسرائيلية، ولكل اعداء الشعب الفلسطيني من عرب وعجم وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية.
ومن يريد حماية المشروع الوطني كان الأجدر به، ان يقف منذ اللحظة الأولى للانقلاب لمطالبة قيادة منظمة التحرير بالتحلل من كل مسؤولية عما يجري في قطاع غزة، وهذا لا يعني تخليا عن ابناء شعبنا في محافظات الجنوب، ولا قبولا بالانقلاب الحمساوي، ولا استسلاما لمشيئة الواقع، ولكنه جزء اساسي من إصلاح الخطيئة، التي ارتكبتها حركة حماس، لا سيما وأن تشخيص الأزمة أو الخطأ يعتبر نصف إصلاح الخطا، كما يقول لينين. والنصف الآخر يأتي بالمعالجة لتصفية الأخطار الناجمة عن الانقلاب لإعادة الاعتبار للشرعية على محافظات الجنوب.
أتمنى على الكل الوطني من موقع المسؤولية مراجعة الذات، والتفكير المسؤول بالمصلحة الوطنية. تأخرنا في استخدام علاج الكي، الأمر الذي أحدث التباسا عند الكثيرين، لكننا وصلنا أخيرأ. ورغم كل الملاحظات الشخصية على إدارة أزمة الانقلاب، غير أنني سأبقى أدافع عن خيار الشرعية الوطنية، التي تعتبر الحصن الحصين لحماية الهوية والشخصية والكيانية والأهداف الوطنية.