قبل نحو أسبوعين، نجح نتنياهو في تهدئة العاصفة التي مرَّت على ائتلافه الحكومي، وهدَّدته بالانقراض وبالذهاب إلى انتخابات مبكرة، لكنّ هذا النجاح لا يعني الشيء الكثير، فقد هدأت العاصفة بينما (إسرائيل) كلّها تستعد للإعصار، والإعصار هو الحرب الشاملة والمتسارعة التي يشنّها نتنياهو ضد القدس على كافّة المستويات، تهويد، وأسرلة، وتطهير عرقي، وتجريف للحياة الفلسطينية في القدس، وسيطرة على المقدسات، في سباق مجنون مع الزمن، للاستفادة الكاملة قبل انتهاء الفترة الرئاسية الأولى لدونالد ترامب، الذي يعتبر وصوله إلى البيت الأبيض أعظم حدث لصالح (إسرائيل)، مهما تكن الأسباب وراء وصوله للبيت الأبيض، ومع تصاعد القناعة لدى النخب الإسرائيلية بأنَّ ترامب من المحتمل جدًا أن يفشل في المرور إلى فترة رئاسية ثانية، فقد ضخَّم عدد أعدائه، وليس عنده حلول لأي من ملفات الفوضى التي فتحها، وهذا السباق المجنون مع الزمن يراكم لـ(إسرائيل) مشكلات كبرى من المرجح أن تحتشد كلها لتصنع الانفجار الكبير.

المشكلة التي أثارها نتنياهو مع بعض من ائتلافه الحالي لم تكن كبيرة، فليس هناك أسهل من أشخاص المشكلة مثل ليبرمان رئيس إسرائيل بيتنا، وبينيت رئيس البيت اليهودي، وكحلون رئيس كلنا، وهو ضخم المشكلة بتعمد لكي يفوز ويثبت أنّه البطل، هو ليس بطلاً ولكن خصومه ضعفاء جدًّا وجبناء في خصوص المعارك، وهو يُهدِّدهم إذا لم يكونوا على هواه بلحس أصواتهم في الانتخابات سواءً كانت مبكرة أو في موعدها.

لكنّ الفرصة التي يستغلّها نتنياهو إلى الحد الأقصى، هي الفرصة الذهبية بوجود ترامب رئيسًا لأميركا، هدية مجانية أكبر من التوقّعات، ومن قال إنَّ نتنياهو سيضيع هذه الفرصة بدون استنزاف نهائي، فترامب يعني العقل الفارغ الذي يمكن ملؤه بتصورات شاذّة، وترامب يعني صعود غير متوقع للمسيحيانية اليهودية، وترامب يعني صعود تيار التطبيع العربي المجاني مع (إسرائيل) ضد الثوابت العربية، فالعرب المطبّعون بالمجان والمفرطين في مبادرة السلام العربية، لا يشعرون بالخوف، الخلافات العربية المفتعلة تخدمهم، وطريقة اللعب مع ترامب تخدمهم، وادّعاءات نتنياهو بأنه حليف لهم تخدمهم، ولذلك فإنَّ ما كان يعتبر كفرًا بواحًا أصبح في زمنهم الرديء أمرًا مستساغًا، وحلالاً كاملاً، واطمئنانًا بلا حدود، مع أنّه خيانة للهوية والعقيدة، وسقوط بلا طائل، وخطيئة بلا أفق، فليسأل أي مطبع مجاني نفسه، ماذا سيكسب؟؟؟ هُم أصفار أصلاً، وحاصل الجمع أو الضرب للأصفار هو صفر كبير.

القدس تعاني، القدس كعنوان للقضية الفلسطينية، والقدس كعنوان النضال النوعي الخلاق وللبقاء المقدس، لأن إسرائيل لو اخترعوا لها ألف قدس، فإنها بدون قدسنا، القدس الشريف، القدس الشرقية، قدس الأقصى وكنيسة القيامة، فإن إسرائيل ستبقى رغم حقنها أميركياً بكل عناصر القوة ستبقى وجوداً افتراضيا، وجوداً بلا جذور.

القدس هذه الأيام تتعرّض لحرب شاملة، حرب لا هوادة فيها، حرب سوف تُفجّر كل ما يمكن أن ينفجر، والملاوعات والتفلّتات التي تقوم بها "حماس" هي أعلى درجات الهروب من مسؤولية القدس، بل هروب من جوهر الانتماء الفلسطيني، والتعامل مع "حماس" على أنَّها تستطيع أن تكون غير ذلك هو تعامل لا يقود إلى أي شيء، "حماس" أداة وليست الفاعل الرئيس، ليست لديها إرادة لا يمكن أن يكون لها قرار، واستمرار الملاوعات معها هو استهلاك للوقت فيما لا يجدي، وكل اللاعبون الذين يلعبون مع "حماس" يعرفون هذه الحقيقة، سواء كانوا فصائل أو فسائل أو أحزاب أو دول، ولكنّهم يلعبون لإضاعة الوقت، والحرب الإسرائيلية الشاملة ضد القدس بدأت، ليس أمامنا سوى أن نحتشد، معركة القدس هي معركة شعب وأمة ومنطقة بأسرها، يجب أن نتصارح ونحتشد كأمّة لأنّه لا بديل عن الانتصار.