تفرض إسرائيل تعتيما واسعا على العملية التي حاولت قواتها تنفيذها مساء أمس الأحد، في منطقة خانيونس في قطاع غزة. والمعلومات المتوفرة حتى الآن هي أن قوة خاصة في الجيش الإسرائيلي تسللت إلى عمق ثلاثة كيلومترات في القطاع، مستخدمة سيارة مدنية، وأن مقاتلين من كتائب القسام، الذراع العسكري لحركة حماس، اكتشفوا هذه العملية السرية، وحدث اشتباك بمشاركة الطيران الحربي الإسرائيلي، ما أدى إلى سقوط شهداء فلسطينيين ومقتل قائد الوحدة الإسرائيلية، وهو ضابط برتبة مقدم، تمنع الرقابة العسكرية نشر أية تفاصيل حول هويته، سوى الإشارة إليه بحرف "م" وعُمره 41 عاما.

ونفى الجيش الإسرائيلي وفقاً لما نقلت مصادر إعلامية أن هدف هذه العملية العسكرية هو اغتيال أو أسر قائد عسكري في المقاومة، لكنه يرفض الكشف عن طبيعة هذه العملية العسكرية السرية وهدفها.

من جانبه قال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، صباح اليوم الاثنين، إنه "أطأطئ رأسي بسقوط المقدم ’م’، مقاتل ممجد سقط الليلة في عملية للجيش الإسرائيلي في قطاع غزة. سيأتي اليوم وتُروى بطولته بكاملها. ومواطنو إسرائيل مدينون له دينا عظيما. وقد عملت قواتنا الليلة ببطولة وشجاعة. وأنا أقدم تحية عسكرية للمقدم ’م’ ورفاقه في السلاح".

وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي العميد رونين منلّيس، لموقع "يديعوت أحرونوت" الالكتروني: إن "أية عملية عسكرية كهذه يوضع لها خططا مفصلة جدا: مصادقات واسعة على خطط، استعراضها أمام القيادة السياسية والعسكرية وتقودها قيادة رفيعة جدا. وفي هذه الحالة، فإن رئيس أركان الجيش يقود العملية العسكرية بشكل مباشر سوية مع قائد شعبة الاستخبارات العسكرية وضباط كبار آخرين. وفي معظم الأحيان تنتهي عمليات كهذه في الصباح ويستمر مواطنو إسرائيل بنومهم".

وادعى بيان للجيش الإسرائيلي حول العملية، أن "ما جرى كشفه الليلة هو جزء صغير جدا من أنشطة عسكرية هدفها ترسيخ تفوق إسرائيل. ولم يكن هدف العملية تصفية أو اختطاف... وعمليات من هذا النوع تُدرس بعمق وتبقى غالبا تحت الرادار (أي سرية). واستعدينا منذ فترة طويلة لهذه العملية أيضا".

من جانبه أشار المحلل العسكري في موقع "يديعوت أحرونوت" الالكتروني رون بن يشاي، إلى أن عملية عسكرية كالتي نُفذت مساء أمس، تنطوي على خطورة على حياة الجنود المشاركين فيها، أو أسرهم، إلى جانب أنها يمكن أن تؤدي إلى تصعيد كبير. "لذلك، عملية كهذه ليست أمرا مألوفا في السنوات الأخيرة. وتُنفذ فقط في ظروف خاصة، عندما لا تتوفر وسائل استخبارية أو عملانية، أو حيلة عسكرية، أو طريقة عمل من دون تواجد مقاتلينا في الميدان، من أجل تحقيق النتيجة المرجوة للجيش الإسرائيلي أو للشاباك".

وأضاف بن يشاي أنه "غالبا يجري الحديث عن عملية تستوجب تشخيصا عن قرب وبشكل مؤكد للهدف الاستخباراتي أو الغاية المستهدفة، أو تحقيقا جذريا من خلال اتصال مباشر مع هدف عملية جمع المعلومات الاستخبارية".

وأضاف أن "عملية كهذه تُنفذ أحيانا نتيجة لمعلومات استخبارية نوعية ونشوء فرصة لا تتكرر من أجل اغتيال قائد مخربين أو مركز معلومات إرهابي أو تشويش كنز قتالي نوعي أو من أجل الحصول على ورقة مساومة. لكن يبدو أنه ليس هذا المقصود في هذه العملية".

من جانبه، استغرب المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، توقيت هذه العملية العسكرية في عمق القطاع، كونها جاءت في وقت تُبذل فيه جهود من أجل التهدئة، وفيما نتنياهو يشارك في مؤتمر سياسي هام في فرنسا.

وفي الوقت الذي تفرض فيه إسرائيل تعتيما على طبيعة هذه العملية العسكرية، فإن الفصائل الفلسطينية اتهمت إسرائيل بأن العملية العسكرية سعت إلى اغتيال القائد في كتائب القسام نور بركة، الذي استشهد فعلا خلال الاشتباك. لكن الجيش الإسرائيلي أرسل، الليلة الماضي، القائد السابق للجبهة الجنوبية اللواء في الاحتياط طال روسو، ليتحدث إلى قنوات التلفزيون والإذاعات الإسرائيلية، حيث نفى أن يكون هدف العملية اغتيال بركة، وإنما هو قُتل خلال الاشتباك، وأن "هذه عملية كُشفت على ما يبدو. ليست محاولة اغتيال، فلدينا طرقا أخرى للاغتيال".

واعتبر هرئيل أنه "يصعب التصديق أن تصادق القيادة السياسية الإسرائيلية، في الظروف الحالية، على عملية اغتيال ناشط بمستوى متوسط، فيما ليس واضحا ما هو المكسب من ذلك. ونتنياهو غارق جدا في جهود التسوية مع حماس وهو لن يسمح بخطوة كهذه"، علما أن وسائل الإعلام الإسرائيلية أكدت أن نتنياهو، ووزير الأمن أفيغدور ليبرمان، ورئيس أركان الجيش غادي آيزنكوت، صادقوا على تنفيذ هذه العملية.

وأضاف هرئيل أن تفسير روسو يبدو مقنعا، بأنه من الجائز أن هذه كانت عملية جمع معلومات استخبارية، تتعلق ببنية تحتية عسكرية لحماس، مثل تطوير سلاح معين، وربما تتعلق بوجود معلومات مرتبطة "بقضية حارقة" أخرى بالنسبة لإسرائيل في غزة، مثل قضية الأسرى والمفقودين.

ورأى هرئيل أن هذه العملية العسكرية الفاشلة ستغيم على الجهود المصرية لتحقيق وقف إطلاق نار لفترة طويلة. لكنه توقع أن "هذه العملية لن تُنهي بالضرورة الاتصالات حول التهدئة. وتوجد لإسرائيل وحماس مصلحة في استئناف التهدئة، بحيث أنه على الرغم من الحادثة غير المألوفة والخطيرة، لا يزال يبدو أن أحداث الليلة الماضية لا تقود إلى تصعيد وإلى عملية عسكرية إسرائيلية واسعة في القطاع"