كانت هذه "مظاهرة الـ 400 ألف" الجديدة لاسرائيل. ذات يوم قد يُسأل الاسرائيليون من أبنائهم: أين كنتم ليل الـ 23 من تموز، (2011)؟ بعضهم سيخجل في أن يقول: كنا نشاهد "نجم وليد" في القناة 2. آخرون سيقولون عندها بفخار: كنا في الشوارع. نهائي نجم وليد الحقيقي لاسرائيل لم يكن أمس في "شاطيء الطلاب" في حيفا، الطلاب الحقيقيون كانوا أمس في شوارع تل ابيب. لم يكن هذا نجم وليد 9، كان هذا نجم وليد 1، الموسم البكر، والفائز هو: الشاب الاسرائيلي المكترث، النجم (الحقيقي) الذي ولد في سماء بلادنا بعد كل سنوات عدم الاكتراث البائسة إياها.

اسرائيل قد تكون غيرت أمس الاتجاه. اذا ما سار كل شيء على ما يرام، فلن يكون شيء يشبه ما كان قبل ليل 23. عشرات آلاف عديدة جدا من الشباب الاسرائيلي، جيل الفيس بوك الذي مل الهراء، جيل التويتر الذي مل الساخرين، اولئك الذين قد لا يقرأون الصحف ولا يشاهدون القناة 2 ولكنهم مكترثون بحياتهم، وقد خرجوا الى الشوارع ليقولوا كلمتهم. وقد رُفعت أمس كلمتهم بحماسة لم يُشهد لها مثيل هنا منذ سنين.

لم تكن هذه واحدة من مظاهرات اليسار الذي يرفع العتب، كانت هذه مظاهرة أناس مفعمين بالثقة بالنفس، عاصفين، مقتنعين ومتحمسين. الحجم بالفعل يقرر، وقد كان كبيرا، كبيرا وكثيرا – جادة شاؤول الملك هددت بالانفقاع والجمهور كاد يحتك بوزارة الدفاع، تلك التي تبتلع أساس ميزانيات اسرائيل – ولكن ليس الحجم وحده يقرر، بل الروح، وكانت هذه أمس روح جديدة لا بد ستغرق كل شيء. بما في ذلك وزارة الدفاع.

هؤلاء الشباب لن يشتروا بعد اليوم ترهات السياسيين ولا هراء رجال دعايتهم. الفهود البيض هؤلاء، الذين ساروا في الشوارع وهتفوا، ساروا وصفروا، ساروا واحتجوا، اولئك الذين ابتعدوا حتى الآن عن كل شيء سياسي قالوا أمس: حتى هنا. حتى هنا التضليل. على بنيامين نتنياهو ان يبدأ بالتصبب بالعرق بعصبية، وكذا تسيبي لفني. إذ ان هذه هي طريق التيارات العميقة: فهي تنشأ وتتطور ببطء، تتقدم ببطء، الى أن فجأة في اللحظة الأقل توقعا، على الموضوع الأقل مصيرية – ايجار الشقة – تندلع فجأة وتثور كالتسونامي. كما ان هذا هو أثر الفراشة: شاب أحرق نفسه في تونس البعيدة بسبب قلب بسطة، أحرق ميدان التحرير الذي أيقظ تل ابيب من سباتها. نعم، مصر، من كل الاماكن، هي التي حركت عجلات تل ابيب. احتجاج الكوتج – كله كوتج – حرك احتجاج الشقق – كله شقق – والتتمة، الله يحفظنا.

صحيح، غضب حقيقي لم يُشهد بعد في الشوارع. تل ابيب ليست القاهرة بعد، ولا حتى أثينا. أبناء الذوات في تل ابيب، يتصرفون بناءا على ذلك: لا يحرقون ولا يسلبون ولا ينهبون، لا يرشقون الحجارة ولا يخاطرون. إذ أنهم جاءوا كلهم من بيوت طيبة، رغم ايجار الشقة لديهم. "سيدي الشرطي، أنت ايضا تساوي أكثر"، هتفوا، في الوقت الذي في مدن احتجاج اخرى يرشقون الحجارة على أفراد الشرطة. كما أن الأهداف ليست بعد واضحة بما فيه الكفاية. فهل هذا احتجاج سكن فقط؟ هذا لم يبدو هكذا أمس، معظم اليافطات تحدثت عن البيت، ولكن يُخيل لي أن هذا البيت ليس فقط مأوى ما. صحيح، زعيمة التمرد، دفني ليف، حرصت في خطابها على عدم توسيع اليراع لا سمح الله، فقط على الشقق عرفت كيف تتحدث، ولكن في الأجواء حام شيء واسع أكثر بكثير. يُخيل لي أن الجماهير احتجت على شيء أعمق من ايجار الشقة الذي ينبغي لهم أن يدفعوه – فقد احتجوا ضد ايجار المعيشة في هذه البلاد.

ليل الـ 23 كان ايضا ليل عودة الاشتراكية، ولا نقول، لا سمح الله، الشيوعية. رجال الجبهة الديمقراطية "حداش" لم يسبق لهم ان شعروا بمثل هذه الراحة في مظاهرة الجماهير، دوف حنين لم يظهر أبدا مع ابتسامة كهذه على وجهه. المنظمون لا بد سينفون، هذا بالضبط ما ينقصهم، تشخيص حزبي بل ومع "حداش"، ولكن أمس تحطمت ايضا، بقدر ما، الحواجز التقليدية وأُزيلت التصنيفات القديمة. يسار؟ يمين؟ لا هذا ولا ذاك، هذا وذاك ايضا. الشباب هتفوا أمس: "دولة رفاه" و"كفى للخصخصة". أوليست هذه اشتراكية ايامنا هذه؟.

"يوجد احتمال، يوجد أمل، ثورة حب"، هتفوا. صحيح أنه كانت أمس عبارات تافهة، ولكن تسللت الى هذه الكلمات العليلة فجأة كلمة جديدة الى سماء حياتنا: ث و ر ة. متى سمعتم ذلك في المرة الاخيرة، تصعد بصوت عال في مظاهرات جماهيرية؟ هذا الصباح ستأتي السكرة المبيتة في اليوم التالي، الصباح الذي يتلو هذا الاحتفال الكبير والمؤثر. يمكن لهذا أن ينتهي بلا شيء، يمكن أن يتطور الى شيء لم نعهده من قبل. الآن محظور أن يرتخي هؤلاء الشباب، محظور أن يتنازلوا. مصير البيت في أيديهم.