شعرتُ بفرح عارم بعد ان استمعت الى كلمة الرئيس ابو مازن في المؤتمر الثاني لسفراء فلسطين المنعقد في اسطنبول في 23-7-2011 أنا الفلسطيني المشرّد اللاجئ المنكوب المقيّد الرّازح تحت الاحتلال من رأسي حتى اخمص قدمي، انشرح صدري بعد سماع هذه الكلمة، كأن صخرة أْزيلت عن كاهلي، لم يعد يهمني التصويت القادم في أيلول! اعتبر نفسي اننا نجحنا من الآن في السياسة قبل المنازلة الكبرى، هذه الكلمة، منطقية واقعية بسيطة واضحة لا يستطيع احد انكارها، ولا تقبل التأويل او الجدال، فالسياسة "العباسية" الجديدة التي تعتمد الواقعية والمنطق شلت سياسة العدو، وابطلت مفعول قدراته  السياسية والعسكرية، من خلال تمسك الرئيس بخيار السلام "والتوجه الى الامم المتحدة" محصناً "بوحدة الموقف الفلسطيني"، لم يأتِ هذا الخيار لتعطيل المفاوضات، بل جاء نتيجة "تعطّل المفاوضات" فلو استمرت اسرائيل بالمفاوضات على اساس قواعد الشرعية الدولية وبسقف زمني محدد ومرجعية محددة والتوقف عن بناء المستوطنات لما توقفت هذه المفاوضات، ولكن اسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة الامريكية  اعتمدت على التعنت والغطرسة والبلطجة الديبلوماسية وتفشيل اي مسعى يؤدي الى الوصول لانهاء النزاع. فخيار التوجه الى الامم المتحدة ليس "احادياً" كما قال الرئيس ابو مازن انما رأى في العمل الاحادي هو "الاستيطان" لأنه يمثل عدواناً على الارض ورأى ان "ذهابنا الى الامم المتحدة لا يمنع العودة الى المفاوضات مع الاسرائيليين" وطمأنهم "بأننا سنتعايش معكِ (اسرائيل)  كجيران عندما نحصل على حقوقنا" وأخذ على الشرعية الدولية عجزها وسكوتها على وجود الشعب الفلسطيني طيلة 64 عاماً بدون ان تحرّك ساكناً لتطبيق القرارات التي صدرت عنها والتي فيها احقاق للحق الفلسطيني. فبموجب قرار الجمعية العمومية للامم المتحدة رقم 181 والصادر في العام 1947 والمشروط باقامة دولة فلسطينية الى جانب قيام دولة اسرائيل، تم تنفيذ نصف القرار المتعلق بانشاء اسرائيل "لكنهم اسسوا دولتهم ونسونا ومازلنا منسيين" فإذا كانت الجمعية العمومية حريصة على صدقيتها فلتتفضل وتنفذ ما تبقى من هذا  القرار والقرارات اللاحقة بما يخص انسحاب اسرائيل من الاراضي العربية والفلسطينية المحتلة بعد عدوان حزيران 1967 المنصوص عليه في القرارين  242 – 338 وها  " نحن بعد 64 عاماً نريد حلاً لنا" "نريد مثل بقية شعوب العالم ان نكون اعضاء في الجمعية العامة واعضاء في الامم المتحدة  لا اكثر ولا اقل". فهل من المنطق والعقل ان تقبل الامم المتحدة في ايلول القادم ان لا تقف الى جانب الاعتراف بدولة فلسطين في القرن الواحد والعشرين بعدما خذلتنا مراراً وتكراراً؟ أما بالنسبة الى الادارة الامريكية فمن فضائل المرء ان يعرف قدْرته وقدْره امامها "قلنا للامريكيين لا نريد ان نتواجه معكم ولسنا قادرين او راغبين" وفي نفس الوقت المطلوب منهم ان يكونوا عادلين غير منحازين، وان لا ترتكب الدبلوماسية الامريكية حماقة اخرى كما فعلت منذ فترة وجيزة امام نتنياهو. بعد الآن سيتعلم الكثيرون كيف يتم اجتراح ثوابت سياسية من الثوابت الوطنية وستغير هذه الكلمة عاجلاً ام آجلاً مواقف الكثيرين، وسيكون لها تأثير على نظرة الغرب الينا. لا شك ان هذا الخطاب صدم الاسرائيليين "وخرّب" عليهم طرقهم السياسية الملتوية، ومن الصعب عليهم ان يجدوا في هذا البنيان المرصوص ثغرة  للاختراق في محاولة لتفشيل المسعى الفلسطيني للحصول على الاعتراف بدولة فلسطينية، وسيغير ايضاً مسار هذه السياسة من سياسة البؤر الاستيطانية والعنف والاحتلال الى رحاب الدولة التي تعيش وسط محيط يؤمن بالسلام. لا يمكن لأي دولة او جهة شرعية ان ترفض التعاون والتعامل مع هذا المنطق الهادئ فالرئيس قادر ويختزن الكثير، وعلى دراية وحنكة في ادارة هذا الصراع على الصعيد الدولي، وستزداد العزلة الاسرائيلية والتخبط في اللجج السياسية المهلكة اذا بقيت تعاند في نفس السياسة، أصاب الرئيس ثلاثة اهداف بخطاب واحد، وصل الى المستقبل قبلهم بحكمته وواقعيته، خاطب العالم من خلال السفراء بلغة المستقبل، يستحق شعبك دولة على هذا الكلام البليغ فهم ما زالوا في الماضي يجهدون وعلى اسرائيل ان تقلع عن بلطجتها "برافو" سيادة الرئيس.