القرار القيادي بالذهاب الى الأمم المتحدة ليس نزهة، كما انه ليس ردة فعل، وإنما هو جزء من برنامج كفاحي لتحقيق هدف وطني مشروع. القرار ليس للاستهلاك السياسي، ولا يجوز أن يكون للمساومة. أهمية قرار التوجه إلى الأمم المتحدة في أيلول أنه نابعٌ من دراسة موضوعية وقانونية. وأهميته أيضاً أنه جاء بعد مخاض صعب أثبت فشل تجربة المفاوضات التي كانت محكومة بالضوابط الإسرائيلية والأميركية. كان المطلوب إمّا المراوحة المُكْلفة في مستنقع المفاوضات، وامّا النهوض بإرادة وطنية من مستنقع المفاوضات العبثية الى رحاب الشرعية الدولية.

وهكذا كان الخيار محطّ إجماع فلسطيني دون تردد. وبدأت المعركة السياسية حامية الوطيس. انها دون شك معركة قاسية لأنها ستشكل نقلةً نوعية في الكفاح الوطني الفلسطيني نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران العام 1967. كما أنها ستشكل ضربة قاصمة للسياسة العنصرية الإسرائيلية  التي لا ترى سوى مصالحها وأمنها.

الإصرار على خوض هذه المعركة السياسية المشرّفة أمرٌ يجمِّع الطاقات والقدرات الفلسطينية با تجاه هدفٍ واحدٍ موحّدٍ. بالتأكيد التراجع عن هذه المعركة بعد ان تم وضع اللمسات الأخيرة لم يعد مقبولاً، لأن الخسائر على المستوى الداخلي ستكون مُكلفه، وأيضا الأضرار على المستوى العلاقات العربية والدولية ستشهد انتكاسة، خاصة أنّ العديد من الدول دخلت في جوهر الصراع واختارت أن تكون إلى جانب الحق الفلسطيني، ورفضت الإغراءات الأمريكية والإسرائيلية، واختارت التحدي في المواقف المبدئية.

عندما قرر الرئيس أبو مازن دعوة مسؤولي البعثات الدبلوماسية الفلسطينية في العالم وعددها يفوق المئة الى مؤتمر دبلوماسي في تركي يعتبر بذلك إعلان حالة الاستنفار شبه القصوى. كما انه يؤكد بهذه الدعوة عدم التراجع إلى الوراء، وإقناع المترددين والخائفين بأنّ هذه الخطوة مهما كانت نتائجها ستظلُّ أفضل وانجح من المراوحة في مستنقع المفاوضات بمقاييسها الحالية.

لاشك ان القيادة الفلسطينية تدرك أهمية دور البعثات الفلسطينية في الخارج، وبالتالي لا يمكن تسجيل الانتصار في هذه المعركة إذا لم يتم استنهاض هذه السفارات بكل مكوناتها لتأخذ دورها في الإعداد والتحضير، والتنفيذ.

كان بالإمكان الاكتفاء بتوزيع رسائل من الخارجية الفلسطينية على هذه البعثات لتحديد ما هو مطلوب. إلّا أنّ خطورة وأهمية المرحلة الراهنة، وحساسية ودقة القضية المطروحة، وحجم التفاعلات المطلوبة، والتداعيات المتوقعة، كلّ هذا أكد أهمية انعقاد هذا المؤتمر الدبلوماسي. الهدف طبعاً من هذا اللقاء الذي ضم قادة الدبلوماسية الفلسطينية من مختلف القارات هو التباحث جيداً، والاستماع إلى التوجيهات، ومناقشة التطورات، ودراسة البدائل، واعتماد اللغة السياسية الموحدة، والمنهج الدبلوماسي الناجح والمؤثر في عملية إحداث التغيير المطلوب في مواقف الدول التي ننتظر منها مناصرتنا، والاعتراف بدولتنا.

بالتأكيد الرئيس أبو مازن يدرك أهمية هذا النوع من السلاح السياسي والدبلوماسي، والجميع يدرك أهمية الدور الذي تؤديه البعثة الدبلوماسية في العلاقة مع الدول.

هذا بالطبع يتطلب التماسك والعمل الجماعي بين طاقم السفارة الواحدة وتجنب الصراعات الداخلية التي عشناها في المرحلة الماضية خلال الثمانينات والتسعينات, ولعلّ التغييرات التي حصلت في معظم السفارات ستعكس واقعاً جديداً قادرا على تحمل المسؤوليات الوطنية بعيداً عن الصراعات الحزبية، والتنظيمية، والمحورية، والجهوية. فلسطين اكبر من الجميع، والمهام الملقاة على عاتق البعثات الدبلوماسية الفلسطينية كبيرة، وجدية سواء ما يتعلق بأوضاع الجاليات الفلسطينية والخلافات المتفشية فيها، أو ما يتعلق بالأهداف السياسية والوطنية، وأهمها الصراع مع الحركة الصهيونية وأساليبها الإعلامية القائمة على التضليل، وتزوير الحقائق، ومحاربة الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني.

هل نستطيع بعد هذا المؤتمر في تركيا، وبعد أن تم الاتفاق على برنامج دبلوماسي موحد، هل نستطيع استعادة حركتنا السياسية السابقة أيام الشهداء عز الدين القلق، ومحمود الهمشري، ونعيم خضر، وسعيد حمامي .... الخ ؟!

 

مفوض الاعلام والثقافة – لبنان

الحاج رفعت شناعه

24/7/2011