يصادف يوم غد الثامن من تموز، الذكرى الـ39 لاستشهاد الأديب الفلسطيني غسان كنفاني، الذي اغتاله الموساد الإسرائيلي في 8-7-1972 بتفجير سيارته في منطقة الحازمية قرب بيروت، بعد أن عاش 36 عاما تجرع فيها حب فلسطين التي هجّر منها وعائلته عام 1948.

 

ولد كنفاني في عكا بعد مخاض عسير، وحسب رواية عن ولادته 'فإن أمه حين جاءها المخاض لم تستطع أن تصل إلى سريرها قبل أن تضع وليدها وكاد الوليد يختنق بسبب ذلك، وحدث هذا في التاسع من نيسان عام 1936.

 

ويعتبر كنفاني، الذي لقب بصاحب الأدب المقاوم،أحد أشهر الكتّاب والصحفيين العرب في عصرنا. فقد كانت أعماله الأدبية من روايات وقصص قصيرة متجذرة في عمق الثقافة العربية والفلسطينية، وأصدر حتى تاريخ وفاته المبكر ثمانية عشر كتابا، وكتب مئات المقالات في الثقافة والسياسة وكفاح الشعب الفلسطيني. في أعقاب اغتياله تمّت إعادة نشر جميع مؤلفاته بالعربية، في طبعات عديدة، وجمعت رواياته وقصصه القصيرة ومسرحياته ومقالاته ونشرت في أربعة مجلدات.

 

 وتُرجمت معظم أعمال كنفاني الأدبية إلى سبع عشرة لغة، ونشرت في أكثر من 20 بلدا، وتم إخراج بعضها في أعمال مسرحية وبرامج إذاعية في بلدان عربية وأجنبية عدة. اثنتان من رواياته تحولتا إلى فيلمين سينمائيين سنة 1972.

 

كان كنفاني عضوا في المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ورئيس تحرير مجلتها 'الهدف'، وناطقا رسميا باسمها ومسؤولا عن نشاطها الإعلامي، وقد شارك في وضع البيان السياسي للجبهة والمعروف باسم ( برنامج آب 1969)، وكانت الصحافة الأجنبية قد ركزت عليه بعد عملية مطار اللد.

 

نائب أمين عام الجبهة الشعبية عبد الرحيم ملوح، واحد ممن عاصروه، قال لـ'وفا': 'كنفاني الذي ولد يوم واقعة دير ياسين، كان متميزا بتمسكه بالقضية الفلسطينية، ولعب دورا قبل أن يكون عضوا في حركة القوميين العرب، حيث شكل لجنة شبيبة مختصة من أجل العودة إلى فلسطين ومجموعة من الشباب الفلسطيني آنذاك'.

 

وأضاف 'أنه كان مناضلا بالمعنى السياسي، وتمسك بالقضية ونشر الكثير في كتابته عنها، خاصة على المستوى الدولي حيث ترجمت أعماله إلى أكثر من لغة، ولفت نشاطه ومقالاته الأنظار إليه كصحفى ومفكر وعامل جاد ونشيط للقضية الفلسطينية فكان مرجعا لكثير من المهتمين. وساعده في ذلك زواجه من الدنماركية 'آن' بعد التعرف عليها عام 1961 في يوغوسلافيا خلال مشاركته في مؤتمر طلابي اشتركت فيه فلسطين وكذلك كان هناك وفد دنماركي.'

 

وبين ملوح أن كنفاني كان متنوع الكفاءات، رغم مرضه بالسكري منذ صغره، فكتب للرواية والمسرح والرسم وعمل للصحافة، وكان أول من ابتكر 'المحرر السياسي' خلال عمله في لبنان، مشيرا إلى أنه عاصر عمالقة الشعراء والأدباء الفلسطينيين، منهم الراحل محمود درويش، وسميح القاسم وغيرهما.

 

وأوضح أن كنفاني استهدف من قبل الموساد الإسرائيلي بعد أن أربك إسرائيل، وأصبح وجوده يشكل خطرا على مصلحة وشكل إسرائيل من خلال اختراقه وفضحه ممارسات اللوبي الصهيوني، بعد أن كتب ونشر الكثير عن القضية الفلسطينية.

 

وحاز كنفاني على شهادة الدراسة الإعدادية عام 1953م فعمل مدرّسا في مدارس وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين في دمشق، ثم حاز بدراسة خاصة شهادة الدراسة الثانوية فترك دمشق عام 1955م متوجها إلى الكويت للعمل مدرسا في مدارسها، وانتسب خلال عمله الجديد إلى جامعة دمشق ونال شهادة الإجازة في الأدب قسم اللغة العربية وكانت الرسالة التي قدمها بعنوان 'العرق والدين في الأدب الصهيوني'.

 

غادر غسان كنفاني الكويت عام 1960م إلى بيروت وانضم إلى أسرة تحرير مجلة الحرية الناطقة باسم حركة القوميين العرب، وتولى رئاسة تحرير جريدة المحرر اليومية، وكان يشرف على الملحق الأسبوعي الذي تصدره المحرر باسم فلسطين، ثم انتقل رئيسا لتحرير جريدة الأنوار اليومية (1967-1969م).

 

 في 26/7/1969م ترك غسان كنفاني صحيفة الأنوار ليتولى رئاسة تحرير مجلة الهدف التي أصدرتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وكان قد أصبح عضوا في المكتب السياسي للجبهة وناطقا رسميا باسمها ومسؤولا عن نشاطها الإعلامي، وقد شارك في وضع البيان السياسي للجبهة والمعروف باسم (برنامج آب 1969م)، وكان متزوجا وله طفلان: فائز وليلى.

 

الشاعر المتوكل طه، وكيل وزارة الإعلام، قال: 'إن كنفاني يعتبر الرائد الأول في الأدب الفلسطيني، كونه أول من بشر بالثورة وإرهاصاتها وأشار إلى ولادتها في اللحظة التي كان الفلسطينيون في مرحلة البحث عن ذاتهم وظهر ذلك في روايته (أم سعد).

 

وأضاف: 'إنه أول من أشار إلى شعراء المقاومة أمثال محمود درويش وسميح القاسم وغيرهما، إضافة إلى أنه اكتشف ضرورة معرفة العدو خلال تناوله الأدب الصهيوني في دراسته عن ذلك الأدب، وتناول الأسئلة الفلسفية الكبرى في أعماله، وتجلى ذلك في روايته عائد إلى حيفا، أي بمعنى أن الإنسان نتاج مجتمعه وليس نتاج دينه أو عرقه'.

 

وأشار إلى أن كنفاني أول من أدرك أهمية الإعلام الثوري من خلال تأسيسه لصحيفة الهدف التابعة للجبهة الشعبية آنذاك، إضافة إلى كونه من القلائل الذين زاوجوا بين مقولاتهم التي جاءت في إبداعاتهم وبين سلوكه الثوري وانخراطه في المقاومة.

 

وبين أن كنفاني في أدبه أول من دعا الشعب الفلسطيني إلى رفض تداعيات نكبة عام 1948، وعليه الخروج ودق جدران الخزان، وتجلى ذلك في روايته (رجال في الشمس)، إضافة إلى كونه أول من ذهب إلى التأصيل التاريخي وبدأ بجمع الرواية الفلسطينية الممتدة منذ ما قبل النكبة إلى زمن الثورة، بحيث تستطيع رؤية الخيط التاريخي بمكوناته الوطنية والسياسية والثقافية ..، داخل أعماله، وهذا واضح من خلال دراسته عن ثورة عام 1936.

 

وبين طه أن العديد من الأسباب التي جعلت من كنفاني ظاهرة قضّت مضاجع الاحتلال الذي أدرك خطورة ما يقوم به على مستويات عدة، الأمر الذي استدعى اغتياله من قبل الموساد الإسرائيلي، هو وعدد من رفاقه في ذلك العصر بشكل متوالٍ.

 

يذكر أن كنفاني كتب عديد الروايات منها رجال في الشمس، وقصة فيلم 'المخدوعين'، وأم سعد، وعائد إلى حيفا، إضافة إلى العاشق، والأعمى والأطرش، وبرقوق نيسان5 (روايات غير كاملة نشرت في مجلد أعماله الكاملة).

 

أما القصص والمسرحيات فكانت: موت سرير رقم 12، وأرض البرتقال الحزين، وعالم ليس لنا، وما تبقى لكم، وقصة فيلم السكين، وعن الرجال والبنادق، إضافة إلى الشيء الآخر التي صدرت بعد استشهاده، والقميص المسروق، وقصص أخرى، إضافة إلى مسرحيات القنديل الصغير، والقبعة والنبي، والباب، وجسر إلى الأبد.

 

وعمد كنفاني إلى كتابة البحوث، وتجلى ذلك من خلال 'أدب المقاومة في فلسطين المستقلة'، و'الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال 1948-1968'، ونال كنفاني في 1966 جائزة أصدقاء الكتاب في لبنان عن روايته 'ما تبقى لكم'. ونال اسمه جائزة منظمة الصحفيين العالمية في 1974 وجائزة اللوتس في 1975، ومنح وسام القدس للثقافة والفنون في 1990.