خاص/ مفوضية الإعلام والثقافة-لبنان

الاشارات السياسية الواردة من اسرائيل تبرهن عن ان الزعماء الاسرائيليين يتصرفون بقلق واضطراب كبيرين، وأن مواقفهم تتسم بقدر كبير من البلبلة. فالمناورات العسكرية في الجولان وفي الجبهة الداخلية على قدم وساق. واختبارات "القبة الحديدية" لم ينجم عنها أي تطمين جدي في شأن إمكانية مقاومة وابل الصواريخ الذي من الممكن ان يتساقط على اسرائيل في حال اندلاع مواجهة مع حزب الله أو مع سوريا على سبيل المثال. وهذا يعني، بكل بساطة، أن اسرائيل تستعد للحرب. لكن، لماذا الحرب ما دام أن لا أحد يهدِّد أمن اسرائيل جدياً؟ الواضح أن اسرائيل تطبق القاعدة الاستراتيجية المشهورة وهي أن مَن يستعد للسلام عليه ان يعد العُدّة، في الوقت نفسه، للحرب؛ فإذا فشل السلام فالحرب هي الخيار الممكن حينئذٍ. والواضح أن، خيار السلام ما عاد ممكناً اليوم، ولا سيما بعدما رفضت الحكومة الاسرائيلية، بلسان رئيسها نتنياهو، خطاب الرئيس الأميركي أوباما الذي ألقاه في 19 أيار 2011، والذي دعا فيه الى قيام دولة فلسطينية على أساس حدود الخامس من حزيران 1967. لقد رفضت اسرائيل المبادرة الفرنسية التي رغبت في تحديد المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية بإشراف دولي في باريس. والأميركيون بدورهم أرادوا إفشال الدور الفرنسي لأنهم لا يريدون لفرنسا أن تشاركهم القرار في الشرق الأوسط. وهذا ما جعل الاتحاد الأوروبي يحاول إيجاد خطة سياسية مبنية على بنود خطاب اوباما يرضى عنها الفلسطينيون، وتكون بديلاً من خطة الاعتراف بالدولة الفلسطينية التي يمنع الفلسطينيون التقدم بها الى الأمم المتحدة في أيلول 2011. غير أن عيون الاسرائيليين كانت تجوس في مكان آخر. والقيادة الاسرائيلية اليوم قلقة من خطة الفلسطينيين، وقلقة أيضاً من تطورات الاحوال في الدول العربية. وحتى تسيبي ليفني (الليكودية السابقة) راحت تدق أجراس الانذار تحذيراً مما يجري في الدول العربية المحيطة بإسرائيل. ففي مقابلة مع صحيفة "يديعوت أحرنوت" (10/6/2011) أعادت التذكير بأن ثورة 23 تموز 1952 أدت الى انطلاقة المجموعات الفدائية الأولى في غزة ثم الى حملة السويس (أي العدوان الثلاثي على مصر في سنة 1956). وان التغيرات التي وقعت في سورية في ستينات  القرن العشرين أدت الى حرب حزيران 1967. والحرب في لبنان سنة 1975 فصاعداً أجبرت اسرائيل على التدخل وتحمل مسؤولية احتلال جزء من جنوب لبنان، ونشوء المقاومة. والآن، فإن ما يجري على الحدود مع سورية ولبنان، بحسب تسيبي ليفني، سيطيح أي هدوء على الجبهات العربية. أما نتنياهو فلم يتمالك نفسه فقال إن الصراع مع الفلسطينيين ما عاد يجري على حدود العام 1967، بل على حدود 1948، وأضاف: "إن النزاع مع الفلسطينيين غير قابل للحل"(هآرتس، 16/6/2011).

هذه المواقف الصادرة عن رئيس الحكومة الاسرائيلية وعن زعيمة المعارضة اليمنية تعكس، بالفعل، حال الاضطراب التي تتسربل بها القيادة الاسرائيلية،ولا سيما ان أيلول يقترب. وقد أنشأت وزارة الخارجية الاسرائيلية "منتدى أيلول"، وحددت له مهمة وحيدة هي اقناع ما أمكن من دولة العالم بمعارضة الجهود الفلسطينية لانتزاع قرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية. ويتصرف الاسرائيليون بجدية عالية وعصبية ظاهرة، بينما لا تزال البرودة تسري في عروق الدبلوماسية العربية بشكل لافت ومريب معاً. وأبعد من ذلك، فقد بدأت اسرائيل شن حملة دولية في سبيل تكتيل الدول الأوروبية وبعض دول العالم للحيلولة دون إعلان الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، في حين أن الدول العربية لم تتحرك في الاتجاه المعاكس حتى الآن.

رفضت الحكومة الاسرائيلية، كما بات معروفاً، مضمون خطاب الرئيس اوباما، ولا سيما الفقرة التي تتحدث عن دولة فلسطينية على اساس حدود 1967، الأمر الذي أرغم الادارة الاميركية على تقديم تفسير إضافي لهذه الفقرة بأنها تتضمن تبادلاً للأراضي، وأن التبادل سيكون ضرورياً للأمن الاسرائيلي. غير أن نتنياهو تمكن من أن ينتزع من الرئيس أوباما موقفاً يقضي بمعارضة المسعى الفلسطيني لانتزاع قرار دولي من الأمم المتحدة ينص على الاعتراف بدولة مستقلة للفلسطينيين. وتحاول الادارة الاميركية، لقاء ذلك، أن تحصل من الاسرائيليين على موقف ايجابي من مقترحات اوباما، كي يصبح الذهاب الى المفاوضات ممكناً للفلسطينيين، ما يعني قطع الطريق على خطة أيلول. ومع ذلك فإن الاسرائيليين، حكومة ومعارضة يمينية، استنكفوا عن تقديم مثل هذا الموقف للولايات المتحدة، علماً أن لا ضمانة على الاطلاق بأن تخرج المفاوضات المقترحة بأي حل مُرضٍ للطرفين.

حيال هذه البلبلة المتعددة الوجوه، فإن اسرائيل تدرك بأن التحولات الجارية في المنطقة لن تكون لمصلحتها على الأرجح، وربما تتحول الحدود الفلسطينية مع الدول العربية مصدراً حقيقياً من مصادر تهديد الاحتلال. وأن استعصاء الحل السياسي على المسار الفلسطيني – الاسرائيلي سيجعل المستوطنات والمستوطنين أهدافاً مباشرة للانتفاضة المقبلة وأن صيغة  الطلب الفلسطيني الذي سيُرفع الى الامم المتحدة صارت جاهزة وهذا نصها:

"حضرة الأمين العام للأمم المتحدة

السيد بان غي مون المحترم

تحية طيبة وبعد،

نطلب إليكم اتخاذ الخطوات الملائمة للنظر إيجابياً في طلب فلسطين قبولها كدولة عضو في الأمم المتحدة".

إن هذا الصيغة البسطية، وقليلة عدد الكلمات من شأنها، في ما لو تحققت، ان تغير الواقع الجيو – بوليتيكي للمنطقة العربية، لأن الاعتراف بهذه الدولة إنما يقوم على اساس حدود واضحة او شبه واضحة. وهذا هو مأزق اسرائيل الفعلي. فهي غير قادرة على ضم اراضي الضفة الغربية بسكانها، وغير قادرة على طرد السكان، ولم تستطع طوال أربعة وأربعين عاماً من الاحتلال ان تطوِّع إرادة الفلسطينيين وتحولهم الى سكان ساكنين، وغير قادرة على السير في المفاوضات الى نهاياتها المنطقية، أي إنهاء الاحتلال، وها هي الأرض تميد تحت اقدام الجميع. لذلك ليس من المستغرب ان تستعد اسرائيل للحرب، لأن السلام بات سراباً.

قصارى القول إن المناورات على الجبهة الداخلية التي بدأت في 19/6/2011 ليست مجرد مناورات لتحفيز اليقظة لدى الاسرائيليين، وليست عرضاً للمهارات الجماعية، كما أنها ليست مجرد تلويح بالحرب، بل هي استعداد للحرب، وأن الحرب هي ما ينتظرنا مادام السلام صار طريدة الاسرائيليين.