خاص مجلة القدس/ تقرير منال خميس

وسط حزن كبير يخيم على الوجوه، وألم كبير يغزو الصدور والقلوب، أقام شبان فلسطينيون وأصدقاء وشخصيات وطنية وثقافية وصحفيون بيت عزاء كبير للشهيد الصحفي المتضامن الايطالي فيتوريو أريغوني الذي قتل على أيدي متشددين سلفيين فجر الخامس عشر من ابريل الجاري 2011.

فهناك في ساحة "جاليري البلد" غرب مدينة غزة، على الحيطان وعلى جذوع الشجر وعلى أعمدة الخيام، حيث أقيم العزاء، أضاء المتواجدون الشموع البيضاء، وفناجين القهوة السوداء تدور تشعر كأنك في بيت عزاء يخص كل واحد من غزة، يبدو لك وكأن فيتيريو يخص الجميع شخصيا، خصوصا حين ارتفع بكاء الشباب المُر لحظة علا صوته يقول "أنا غزاوي ..كلموني عربي"  حين بدأت شاشة العرض الكبيرة ببث فيلم تسجيلي عن حياته في غزة وعن كتابه "كن إنسانا" الذي يتكلم عن معاناة الغزيين، وسط الحصار والدمار وأتون الانقسام.

الشاب عبد جربوع، الذي يقف بجانبي قال، "إنها الحياة في قطاع غزة، أحياناً نستطيع وصفها بالعبارات وأحياناً تعجز عن  وصفها الكلمات، ففي تفاصيلها يتراكم في كل نفس حزن، وبداخل كل شخص ألم، وفي كل ألم تفاصيل لكل حادثة دم أُسقطنا فيها، فكنا من ينال النصيب الأكبر من الخراب وهذا ما يصنعه الظلم والجهل والغباء والتعصب الأعمى، الذي ينقض على العقول دون رحمة غير عابئ بآهات البشر قبل الحجر والشجر.. إنها الحياة في الوطن الصعب غزة فأهلاً بكم".

في غزة بات القتل متعدد الأشكال والألوان، ففي ليلة الخميس الموافق 14/4/2011 نام أهالي قطاع غزة على خبر مفجع مفاده اختطاف المتضامن الايطالي فيتوريو أريغوني ليفيقوا فجراً على خبر أكثر فجائعية هو إعدامه شنقاً وبدم بارد من قبل خاطفيه، في شقة مهجورة بمنطقة مشروع عامر شمال غرب مدينة غزة.

وبحسب التقارير الأمنية فقد اختطفت مجموعة مكونة من خمسة أفراد، المتضامن الايطالي فيتوريو أريغوني في قطاع غزة وقتلته، وينتمي هؤلاء إلى عدد من الجماعات السلفية الجهادية المتطرفة التي تتبنى فكر تنظيم 'القاعدة'. وكشفت مصادر مطلعة أن "أفراد المجموعة ينتمون إلى ثلاث مجموعات سلفية هي "التوحيد والجهاد، وجيش الإسلام، وجلجلت". وذكرت المصادر أن أحد أفراد المجموعة هو أردني وصل إلى القطاع عبر أنفاق التهريب. وتمكن أمن حركة "حماس" من اعتقال اثنين من الخاطفين فيما تتم ملاحقة اثنين آخرين تمكنا من الهرب من المكان.

وكانت جماعة سلفية في غزة، أطلقت على نفسها اسم "مجموعات الصحابي الهمام محمد بن مسلمة"، قد أعلنت عن اختطاف المتضامن الايطالي فيتوريو اريغوني، وطالبت خلال فيديو مسجل يظهر فيه المتضامن، "حماس" بالإفراج عن جميع معتقليها وعلى رأسهم هشام السعيدني الملقب بـأبو الوليد المقدسي. وهددت الجماعة بأنه في حال لم يتم تنفيذ مطالبها على وجه السرعة، خلال اقل من 30 ساعة من تاريخ 14/4/2011 بدءاً من الساعة 11 صباحا سيتم تنفيذ حكم الإعدام بحق المتضامن الايطالي.

وبحسب شادي القرا، الناشط الشبابي الذي رافق الشهيد فيتوريو في العمل منذ بداية وصوله إلى قطاع غزه فقد وصل الصحفي والمتضامن الايطالي فيتيريو اريغوني إلى  قطاع غزه على متن  إحدى سفن كسر الحصار قبل نحو ثلاثة أعوام أي في عام 2008،  وغادرها عدة مرات لكنه أقام فيها بشكل شبة دائم، وشارك في المسيرات المناهضة للمناطق العازلة خاصة في بيت حانون. وعاش بين أناس بسطاء أحبوا الحياة وحلموا بالحرية فآثر البقاء بينهم على أمل مساعدتهم ونقل معاناتهم من خلال تقارير يومية يرسلها للصحافه العالمية، وشارك  بالفعاليات الاحتجاجية والتضامنية مع الصيادين ومع المزارعين الذين يعيشون عند الجدار الأمني الفاصل (300 متر) على امتداد الشريط الحدودي لقطاع غزة .

وأضاف القرا "أحبّ فيتوريو غزة وعاش فيها ورفض مغادرتها فكانت له الشهادة فيها كما كان يردد بأعلى صوته وهو يناكف جنود الاحتلال الإسرائيلي أثناء المظاهرات السلمية على الحدود "شهيدا .. شهيدا.. شهيدا".

وتابع "لقد عرفته أكثر أثناء العمل فقد كان يعمل بجهد كبير وكان أحيانا يعمل لمدة 72 ساعة متواصلة، كان يحب الأطفال ويحب الضحك، ويحب الناس البسطاء، ويحب النضال من أجلنا ويتذكر دوماً الأسرى، والمزارعين والصيادين والفقراء، حتى ان ريع كتابه "كن إنسانا" قد رصده لصالح أطفال غزة، وكان يكره الاحتلال الإسرائيلي ويقول دائماً "أنا غزاوي".

وختم والدموع تتزاحم في عينيه "ما أصعب هذه الظروف التي جعلتني أنطق بكلمة "كان" قبل أن أنطق اسم فيتوريو".

"ماذا سنقول للعالم عن سبب قتل نشطاء السلام والمتضامنين معنا؟"

رحل فيتوريو جسداً، وبقيت روحه ترافقنا، وبات حزننا عليه، أوسع من غزة بأرضها وسمائها وحدودها، بل أوسع من فلسطين ببحرها وبرها وجوها. هكذا قالت الناشطة سماح أحمد التي كانت تلتقيه بشكل شبه يومي، مرددة "لن أنساه".

واعتبرت سماح أحمد جريمة قتل فيتوريو رسالة تهديد لناشطي السلام والمتضامنين مع قطاع غزة لقطع الطريق عليهم ووضع حد لقدومهم باعتبار أن غزة لم تعد آمنة.

وقالت أن من يقفون وراء الجريمة لم يكن هدفهم التبادل كما ادعوا لأنهم قتلوه بعد ساعات قليلة من خطفه، ولم ينتظروا مرور المهلة التي حددوها، وهي 30 ساعة.

وواصلت "على هؤلاء القتلة أن يخجلوا من أفعالهم وأن يخجلوا مما فعلوه بحق شعبنا الفلسطيني، فماذا سنقول للعالم عن سبب قتل نشطاء السلام والمتضامنين معنا؟!".

ومن جانبه اعتبر الكاتب المتخصص بالشأن الإسرائيلي، توفيق أبو شومر مقتل فيتوريو جريمة وطنية استهدفت التاريخ الفلسطيني النضالي لتدمير الرصيد الوطني الفلسطيني المشرف، قائلاً "هذه الجريمة ليست كأي جريمة ولا تعادلها أية جريمة على الإطلاق ولا حتى جريمة قتل الفلسطيني على يد أخيه، لأنها تهدف إلى تنفير العالم من قضيتنا، وهذا أنسب وقت لتنفيذ هذه المخططات، خاصةً وأن العالم العربي بات منشغلاً بنفسه، والعالم منشغل بقضايا صراع أخرى، وهناك رابط بين ما حدث في جنين من جريمة مقتل المخرج المسرحي جوليانو خميس، وهناك ما يربط بين الاثنين فكلاهما يسعى لنصرة الشعب الفلسطيني، وكلاهما رفض جنسيته الأولى ليصبح واحداً منا، وكلاهما يشتغل على الثقافة والوعي، إذن فهما مستهدفان بالدرجة الأولى".

وأضاف أبو شومر "هناك تشابه آخر في مكاني الجريمة، فالأولى وقعت في مخيم جنين الذي يحوي على تاريخ نضالي ووطني ضد الاحتلال، وغزة تحوي تاريخ فلسطين (مع الاحترام لكل المناطق الأخرى) غير أنه كما أن هناك تشابهاً في التوقيت كذلك هناك تشابه في عدم انكشاف هوية القاتل حتى الآن، وبالتالي هناك جريمة اكبر من الجريمة الفردية، فعلينا أن نكشف للمرة الأولى قضية تمس تاريخنا في رام الله وغزة فربما نقترب من طريق الوحدة بيننا".

أما القيادي في حركة "فتح" توفيق مكي (أبو سالم) فقد وصف قتل فيتوريو بالجريمة النكراء وقال إنها مخطط لا يمت للإسلام بصلة، بل انه يمس بسمعتنا كفلسطينيين، ويصب في خانة الاحتلال ومصالحه، فلا يوجد في الشرع ما يبرر قتل رجل ضيف، خاصة وأنه متضامن معنا.

وحمّل مكي حركة "حماس" مسؤولية ما حدث لفيتوريو بصفتها المسؤول الأول عن الأمن في قطاع غزة وقال "بغض النظر عن التفاصيل لا بد أن يكون هناك عقاب صارم وذو طبيعة سياسية للفكر الذي يحمله هؤلاء المجرمون، ولا بد أن يخرج كل أبناء شعبنا للتعبير عن رفضهم لهذه الظواهر الخارجة عن الأعراف والعادات والتقاليد الفلسطينية، وخصوصاً في قطاع غزة حيث أننا بحاجة لدعم كل شعوب الأرض، ويجب أن يكون هناك اصطفاف فلسطيني يعزز الوحدة الوطنية ضد مخططات إسرائيل المباشرة وغير المباشرة، فهذا العمل جزء من مخططها لقلب حقيقة الشعب الفلسطيني المعطاء المجاهد وتصويره كمجتمع إرهابي ومجرم".

ووافقه الرأي أيضاً القيادي في حركة "فتح" عزمي الخزندار(أبو منهل)، مضيفاً "شعار فيتوريو "كن إنسانا" لخص لنا قضيتنا الحقيقية، مترابطة مع التغيرات التي تحدث في المنطقة، والتي نأمل أن تشمل فلسطين، وهي كن إنسانا بمعنى حقك كمواطن في التعبير وتجسيد الرأي والرأي الآخر والوقوف دوماً في صفوف الأحرار والوطنيين، بعيداً عن أي تمييز ديني أو عنصري، هذه الجريمة تدل على أن هناك من يسعى لتلويث تاريخنا، بشكل يسيء الينا ولما قدمه الشهداء منا، في سبيل الحرية".

واستطرد الخزندار "فيتوريو ليس أول أممي ضحى واستشهد، واختلطت دماؤه الطاهرة بتراب فلسطين، فقد سقطت خلال المسيرة النضالية الفلسطينية الكثير من أصحاب الجنسيات المختلفة، وفيتوريو يدعونا من جديد للتمسك بالانتماء لأحرار العالم والتمسك بحقوقنا الوطنية المشروعة، وبالحرية والمواطنة وحق الانتماء".

متضامن أمريكي: لن يمنعني شيء من التضامن مع غزة ضد الاحتلال والحصار

ولم تثن جريمة قتل فيتوريو المتضامن الأمريكي ناثان ستاكي ذا الثلاثة وعشرين عاماً الذي صمم على البقاء وعدم مغادرة غزة، التي حضر إليها منذ ثلاثة شهور مع سفن كسر الحصار، حيث قال ناثان للـ"قدس"، "لقد جئت مع حركة التضامن الدولية منذ ثلاثة شهور، سأبقى هنا ولن أغادر، صحيح أصبحت أتحرك بحذر وخوف قليل، ولكن هذا لا يمنعني من البقاء والتضامن مع أهل غزة ضد الاحتلال والحصار".

وتابع بحزن "القتلة مجموعة أغبياء،  هم لا يعرفون فيتوريو، ولا يعرفون شيئاً عن أهدافه النبيلة، يعتقدون أن الأجنبي سهل اختطافه،  ولكني مؤمن أن الجريمة موجودة في كل مكان، الناس هنا ودودون جداً، وكلهم يريدوننا هنا لأنهم بحاجة إلينا، السر هو أن تكون شجاعاً، والأسبوع المقبل سنخرج مع الصيادين في زوارق ضمن مجموعة كبيرة من المتضامنين لكسر الحصار... لن نغادر غزة، أكررها مرة أخرى".

وأكد الناشط الحقوقي والمحامي في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان صلاح عبد العاطي "للقدس" على ضرورة ملاحقة القتلة وتقديمهم للقضاء فوراً، لينالوا عقابهم العادل، مطالباً بمعالجة هذه الجريمة وذيولها، لأنها استهدفت النيل من حركة التضامن الدولي، والنيل من صورة الشعب الفلسطيني ونضاله العادل.

وأضاف عبد العاطي "استهدفت الجريمة أهم النشطاء المتضامنين مع الشعب الفلسطيني، فيتوريو الذي أفنى عمره متضامناً مع الشعب الفلسطيني في لبنان، وجنين وغزة ورفض أن يغادرها إبان العدوان الإسرائيلي تحت أشد الضغوطات، وبقي برفقة الصيادين، يواجه الزوارق الحربية الإسرائيلية، ومع المزارعين في المناطق المتاخمة للحزام الأمني، فيتوريو قدم عبر البحر ليخترق الحصار وبقي في غزة التي أحبها، قبل أيام من مصرعه اتصلت والدته ونحن معه، قالت له والدك يموت ويريدك معه، رفض العودة وقال لها "والدي لديه أنت وإخوتي، وهناك من يهتم به، أما الشعب في غزة فليس لديه أحد، فهم يموتون على الحواجز دون أن يصلوا إلى أماكن العلاج، سأبقى في غزة".

وختم عبد العاطي "هذا الإنسان رغم إصابته بمرض في الكلى، ناضل إلى جوار قضايانا، قضايا الحق والعدل والسلام، ولا نملك إلا أن نقول منا الوفاء، ولك المجد والخلود يا فيتوريو، والعار للقتلة، وواجبنا الآن أن نحمي حركة التضامن، وأن نطلق كل جهودنا من أجل قطع الطريق على من يحاول تشويه صورة شعبنا أو تعطيل جهد المتضامنين الذي يبذلونه من اجل القدوم إلى غزة، وإطلاق أوسع حملة دبلوماسية لتطوير حركة التضامن مع شعبنا للقضاء على الاحتلال".


خاص مجلة القدس/ تقرير منال خميس

وسط حزن كبير يخيم على الوجوه، وألم كبير يغزو الصدور والقلوب، أقام شبان فلسطينيون وأصدقاء وشخصيات وطنية وثقافية وصحفيون بيت عزاء كبير للشهيد الصحفي المتضامن الايطالي فيتوريو أريغوني الذي قتل على أيدي متشددين سلفيين فجر الخامس عشر من ابريل الجاري 2011.

فهناك في ساحة "جاليري البلد" غرب مدينة غزة، على الحيطان وعلى جذوع الشجر وعلى أعمدة الخيام، حيث أقيم العزاء، أضاء المتواجدون الشموع البيضاء، وفناجين القهوة السوداء تدور تشعر كأنك في بيت عزاء يخص كل واحد من غزة، يبدو لك وكأن فيتيريو يخص الجميع شخصيا، خصوصا حين ارتفع بكاء الشباب المُر لحظة علا صوته يقول "أنا غزاوي ..كلموني عربي"  حين بدأت شاشة العرض الكبيرة ببث فيلم تسجيلي عن حياته في غزة وعن كتابه "كن إنسانا" الذي يتكلم عن معاناة الغزيين، وسط الحصار والدمار وأتون الانقسام

الشاب عبد جربوع، الذي يقف بجانبي قال، "إنها الحياة في قطاع غزة، أحياناً نستطيع وصفها بالعبارات وأحياناً تعجز عن  وصفها الكلمات، ففي تفاصيلها يتراكم في كل نفس حزن، وبداخل كل شخص ألم، وفي كل ألم تفاصيل لكل حادثة دم أُسقطنا فيها، فكنا من ينال النصيب الأكبر من الخراب وهذا ما يصنعه الظلم والجهل والغباء والتعصب الأعمى، الذي ينقض على العقول دون رحمة غير عابئ بآهات البشر قبل الحجر والشجر.. إنها الحياة في الوطن الصعب غزة فأهلاً بكم".

في غزة بات القتل متعدد الأشكال والألوان، ففي ليلة الخميس الموافق 14/4/2011 نام أهالي قطاع غزة على خبر مفجع مفاده اختطاف المتضامن الايطالي فيتوريو أريغوني ليفيقوا فجراً على خبر أكثر فجائعية هو إعدامه شنقاً وبدم بارد من قبل خاطفيه، في شقة مهجورة بمنطقة مشروع عامر شمال غرب مدينة غزة.

وبحسب التقارير الأمنية فقد اختطفت مجموعة مكونة من خمسة أفراد، المتضامن الايطالي فيتوريو أريغوني في قطاع غزة وقتلته، وينتمي هؤلاء إلى عدد من الجماعات السلفية الجهادية المتطرفة التي تتبنى فكر تنظيم 'القاعدة'. وكشفت مصادر مطلعة أن "أفراد المجموعة ينتمون إلى ثلاث مجموعات سلفية هي "التوحيد والجهاد، وجيش الإسلام، وجلجلت". وذكرت المصادر أن أحد أفراد المجموعة هو أردني وصل إلى القطاع عبر أنفاق التهريب. وتمكن أمن حركة "حماس" من اعتقال اثنين من الخاطفين فيما تتم ملاحقة اثنين آخرين تمكنا من الهرب من المكان

وكانت جماعة سلفية في غزة، أطلقت على نفسها اسم "مجموعات الصحابي الهمام محمد بن مسلمة"، قد أعلنت عن اختطاف المتضامن الايطالي فيتوريو اريغوني، وطالبت خلال فيديو مسجل يظهر فيه المتضامن، "حماس" بالإفراج عن جميع معتقليها وعلى رأسهم هشام السعيدني الملقب بـأبو الوليد المقدسي. وهددت الجماعة بأنه في حال لم يتم تنفيذ مطالبها على وجه السرعة، خلال اقل من 30 ساعة من تاريخ 14/4/2011 بدءاً من الساعة 11 صباحا سيتم تنفيذ حكم الإعدام بحق المتضامن الايطالي.

وبحسب شادي القرا، الناشط الشبابي الذي رافق الشهيد فيتوريو في العمل منذ بداية وصوله إلى قطاع غزه فقد وصل الصحفي والمتضامن الايطالي فيتيريو اريغوني إلى  قطاع غزه على متن  إحدى سفن كسر الحصار قبل نحو ثلاثة أعوام أي في عام 2008،  وغادرها عدة مرات لكنه أقام فيها بشكل شبة دائم، وشارك في المسيرات المناهضة للمناطق العازلة خاصة في بيت حانون. وعاش بين أناس بسطاء أحبوا الحياة وحلموا بالحرية فآثر البقاء بينهم على أمل مساعدتهم ونقل معاناتهم من خلال تقارير يومية يرسلها للصحافه العالمية، وشارك  بالفعاليات الاحتجاجية والتضامنية مع الصيادين ومع المزارعين الذين يعيشون عند الجدار الأمني الفاصل (300 متر) على امتداد الشريط الحدودي لقطاع غزة

وأضاف القرا "أحبّ فيتوريو غزة وعاش فيها ورفض مغادرتها فكانت له الشهادة فيها كما كان يردد بأعلى صوته وهو يناكف جنود الاحتلال الإسرائيلي أثناء المظاهرات السلمية على الحدود "شهيدا .. شهيدا.. شهيدا".

وتابع "لقد عرفته أكثر أثناء العمل فقد كان يعمل بجهد كبير وكان أحيانا يعمل لمدة 72 ساعة متواصلة، كان يحب الأطفال ويحب الضحك، ويحب الناس البسطاء، ويحب النضال من أجلنا ويتذكر دوماً الأسرى، والمزارعين والصيادين والفقراء، حتى ان ريع كتابه "كن إنسانا" قد رصده لصالح أطفال غزة، وكان يكره الاحتلال الإسرائيلي ويقول دائماً "أنا غزاوي".

وختم والدموع تتزاحم في عينيه "ما أصعب هذه الظروف التي جعلتني أنطق بكلمة "كان" قبل أن أنطق اسم فيتوريو".

"ماذا سنقول للعالم عن سبب قتل نشطاء السلام والمتضامنين معنا؟"

رحل فيتوريو جسداً، وبقيت روحه ترافقنا، وبات حزننا عليه، أوسع من غزة بأرضها وسمائها وحدودها، بل أوسع من فلسطين ببحرها وبرها وجوها. هكذا قالت الناشطة سماح أحمد التي كانت تلتقيه بشكل شبه يومي، مرددة "لن أنساه".

واعتبرت سماح أحمد جريمة قتل فيتوريو رسالة تهديد لناشطي السلام والمتضامنين مع قطاع غزة لقطع الطريق عليهم ووضع حد لقدومهم باعتبار أن غزة لم تعد آمنة.

وقالت أن من يقفون وراء الجريمة لم يكن هدفهم التبادل كما ادعوا لأنهم قتلوه بعد ساعات قليلة من خطفه، ولم ينتظروا مرور المهلة التي حددوها، وهي 30 ساعة.

وواصلت "على هؤلاء القتلة أن يخجلوا من أفعالهم وأن يخجلوا مما فعلوه بحق شعبنا الفلسطيني، فماذا سنقول للعالم عن سبب قتل نشطاء السلام والمتضامنين معنا؟!".

ومن جانبه اعتبر الكاتب المتخصص بالشأن الإسرائيلي، توفيق أبو شومر مقتل فيتوريو جريمة وطنية استهدفت التاريخ الفلسطيني النضالي لتدمير الرصيد الوطني الفلسطيني المشرف، قائلاً "هذه الجريمة ليست كأي جريمة ولا تعادلها أية جريمة على الإطلاق ولا حتى جريمة قتل الفلسطيني على يد أخيه، لأنها تهدف إلى تنفير العالم من قضيتنا، وهذا أنسب وقت لتنفيذ هذه المخططات، خاصةً وأن العالم العربي بات منشغلاً بنفسه، والعالم منشغل بقضايا صراع أخرى، وهناك رابط بين ما حدث في جنين من جريمة مقتل المخرج المسرحي جوليانو خميس، وهناك ما يربط بين الاثنين فكلاهما يسعى لنصرة الشعب الفلسطيني، وكلاهما رفض جنسيته الأولى ليصبح واحداً منا، وكلاهما يشتغل على الثقافة والوعي، إذن فهما مستهدفان بالدرجة الأولى".

وأضاف أبو شومر "هناك تشابه آخر في مكاني الجريمة، فالأولى وقعت في مخيم جنين الذي يحوي على تاريخ نضالي ووطني ضد الاحتلال، وغزة تحوي تاريخ فلسطين (مع الاحترام لكل المناطق الأخرى) غير أنه كما أن هناك تشابهاً في التوقيت كذلك هناك تشابه في عدم انكشاف هوية القاتل حتى الآن، وبالتالي هناك جريمة اكبر من الجريمة الفردية، فعلينا أن نكشف للمرة الأولى قضية تمس تاريخنا في رام الله وغزة فربما نقترب من طريق الوحدة بيننا".

أما القيادي في حركة "فتح" توفيق مكي (أبو سالم) فقد وصف قتل فيتوريو بالجريمة النكراء وقال إنها مخطط لا يمت للإسلام بصلة، بل انه يمس بسمعتنا كفلسطينيين، ويصب في خانة الاحتلال ومصالحه، فلا يوجد في الشرع ما يبرر قتل رجل ضيف، خاصة وأنه متضامن معنا.

وحمّل مكي حركة "حماس" مسؤولية ما حدث لفيتوريو بصفتها المسؤول الأول عن الأمن في قطاع غزة وقال "بغض النظر عن التفاصيل لا بد أن يكون هناك عقاب صارم وذو طبيعة سياسية للفكر الذي يحمله هؤلاء المجرمون، ولا بد أن يخرج كل أبناء شعبنا للتعبير عن رفضهم لهذه الظواهر الخارجة عن الأعراف والعادات والتقاليد الفلسطينية، وخصوصاً في قطاع غزة حيث أننا بحاجة لدعم كل شعوب الأرض، ويجب أن يكون هناك اصطفاف فلسطيني يعزز الوحدة الوطنية ضد مخططات إسرائيل المباشرة وغير المباشرة، فهذا العمل جزء من مخططها لقلب حقيقة الشعب الفلسطيني المعطاء المجاهد وتصويره كمجتمع إرهابي ومجرم".

ووافقه الرأي أيضاً القيادي في حركة "فتح" عزمي الخزندار(أبو منهل)، مضيفاً "شعار فيتوريو "كن إنسانا" لخص لنا قضيتنا الحقيقية، مترابطة مع التغيرات التي تحدث في المنطقة، والتي نأمل أن تشمل فلسطين، وهي كن إنسانا بمعنى حقك كمواطن في التعبير وتجسيد الرأي والرأي الآخر والوقوف دوماً في صفوف الأحرار والوطنيين، بعيداً عن أي تمييز ديني أو عنصري، هذه الجريمة تدل على أن هناك من يسعى لتلويث تاريخنا، بشكل يسيء الينا ولما قدمه الشهداء منا، في سبيل الحرية".

واستطرد الخزندار "فيتوريو ليس أول أممي ضحى واستشهد، واختلطت دماؤه الطاهرة بتراب فلسطين، فقد سقطت خلال المسيرة النضالية الفلسطينية الكثير من أصحاب الجنسيات المختلفة، وفيتوريو يدعونا من جديد للتمسك بالانتماء لأحرار العالم والتمسك بحقوقنا الوطنية المشروعة، وبالحرية والمواطنة وحق الانتماء".

متضامن أمريكي: لن يمنعني شيء من التضامن مع غزة ضد الاحتلال والحصار

ولم تثن جريمة قتل فيتوريو المتضامن الأمريكي ناثان ستاكي ذا الثلاثة وعشرين عاماً الذي صمم على البقاء وعدم مغادرة غزة، التي حضر إليها منذ ثلاثة شهور مع سفن كسر الحصار، حيث قال ناثان للـ"قدس"، "لقد جئت مع حركة التضامن الدولية منذ ثلاثة شهور، سأبقى هنا ولن أغادر، صحيح أصبحت أتحرك بحذر وخوف قليل، ولكن هذا لا يمنعني من البقاء والتضامن مع أهل غزة ضد الاحتلال والحصار".

وتابع بحزن "القتلة مجموعة أغبياء،  هم لا يعرفون فيتوريو، ولا يعرفون شيئاً عن أهدافه النبيلة، يعتقدون أن الأجنبي سهل اختطافه،  ولكني مؤمن أن الجريمة موجودة في كل مكان، الناس هنا ودودون جداً، وكلهم يريدوننا هنا لأنهم بحاجة إلينا، السر هو أن تكون شجاعاً، والأسبوع المقبل سنخرج مع الصيادين في زوارق ضمن مجموعة كبيرة من المتضامنين لكسر الحصار... لن نغادر غزة، أكررها مرة أخرى".

وأكد الناشط الحقوقي والمحامي في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان صلاح عبد العاطي "للقدس" على ضرورة ملاحقة القتلة وتقديمهم للقضاء فوراً، لينالوا عقابهم العادل، مطالباً بمعالجة هذه الجريمة وذيولها، لأنها استهدفت النيل من حركة التضامن الدولي، والنيل من صورة الشعب الفلسطيني ونضاله العادل.

وأضاف عبد العاطي "استهدفت الجريمة أهم النشطاء المتضامنين مع الشعب الفلسطيني، فيتوريو الذي أفنى عمره متضامناً مع الشعب الفلسطيني في لبنان، وجنين وغزة ورفض أن يغادرها إبان العدوان الإسرائيلي تحت أشد الضغوطات، وبقي برفقة الصيادين، يواجه الزوارق الحربية الإسرائيلية، ومع المزارعين في المناطق المتاخمة للحزام الأمني، فيتوريو قدم عبر البحر ليخترق الحصار وبقي في غزة التي أحبها، قبل أيام من مصرعه اتصلت والدته ونحن معه، قالت له والدك يموت ويريدك معه، رفض العودة وقال لها "والدي لديه أنت وإخوتي، وهناك من يهتم به، أما الشعب في غزة فليس لديه أحد، فهم يموتون على الحواجز دون أن يصلوا إلى أماكن العلاج، سأبقى في غزة".

وختم عبد العاطي "هذا الإنسان رغم إصابته بمرض في الكلى، ناضل إلى جوار قضايانا، قضايا الحق والعدل والسلام، ولا نملك إلا أن نقول منا الوفاء، ولك المجد والخلود يا فيتوريو، والعار للقتلة، وواجبنا الآن أن نحمي حركة التضامن، وأن نطلق كل جهودنا من أجل قطع الطريق على من يحاول تشويه صورة شعبنا أو تعطيل جهد المتضامنين الذي يبذلونه من اجل القدوم إلى غزة، وإطلاق أوسع حملة دبلوماسية لتطوير حركة التضامن مع شعبنا للقضاء على الاحتلال