اقتصرت معظم المداخلات في الندوة التي نظّمتها اللجنة الوطنية اللبنانية لليونيسكو، بالتعاون مع اللجنة الوطنية الفلسطينية لليونيسكو والمجلس الأعلى للتربية والثقافة في منظمة التحرير الفلسطينية حول «الواقع التربوي الثقافي الفلسطيني: الإشكاليات والاحتياجات»، على عرض للواقع الفلسطيني واللاجئين عامة، من دون تحديد الاشكالات والمخاطر التي تهدد الشباب الفلسطيني في علاقتهم مع اللبنانيين، وإن كان البعض قد حاول ملامسة الواقع، لكن من بعيد، مع ملاحظة ان معظم المداخلات في اليوم الاول للندوة لم تقارب محور الثقافة والتربية الفلسطينية إلا لماما، بحيث جاءت معظم الدراسات متشابهة الى حد بعيد في جميع المداخلات.

ولم يخل اليوم الأول (الاربعاء) من النقاشات الحادة التي فرضها واقع المداخلات، خصوصا لجهة الواقع الطائفي للعلاقة بين الفلسطينيين واللبنانيين، والتي أثارت حماوة في النقاشات، وبعض الانتقادات. وترك شرح الوضع التعليمي والتربوي الفلسطيني في لبنان، ودور الأونروا في تعليم الفلسطينيين، لليوم الثاني (أمس)، بحيث نال قسطاً وافراً من النقاش، فيما جاءت المداخلات عادية. ولم يساعد عامل الوقت في معالجة لب المشكلة فيما القضية التعليمية الفلسطينية تحتاج الى كل الوقت كونها تعنى بمصير شعب، ومستقبله، وهويته، وتراثه. ونالت وكالة «الاونروا» حصة وافية من النقد لدورها وأداء معلميها، ونسب الرسوب الكبيرة في مدارسها، وغياب كتابي التاريخ والجغرافيا الفلسطينيين. وتميز اليوم الثاني بكلام أكثر واقعية عن الحال «السيئة» التي وصل اليها التعليم في المخيمات الفلسطينية، حتى أن عددا من المناقشين انفعل غير مرة، في خلال عرضهم للواقع التعليمي، وتدني نسب النجاح، والإهمال الذي يمارس بحق التلامذة، وعدم وجود مرجعية صالحة للمتابعة.

الإغفال القصدي لصورة التمدن الفلسطيني

بداية الجلسات الحوارية كانت مع عضو الفريق العربي للحوار الإسلامي - المسيحي سعود المولى، الذي قدّم ملخصا عن دراسته المطولة التي عرضت لواقع الفلسطينيين من المنظور اللبناني، واستهلها بتعريف اللاجئين، وأماكن انتشار المخيمات والتجمعات الفلسطينية، لافتا الى ان عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بقي لغزا من الألغاز المحيرة.

وانتقل الى رصد التطورات في التعامل الرسمي اللبناني مع الفلسطينيين، ليعالج بعد ذلك واقع القوانين اللبنانية والتعامل مع الفلسطينيين، وفقدان حق اللاجئين في التعليم والطبابة والعمل والضمان الاجتماعي والانتساب الى النقابات اللبنانية.

وعقّب سكرتير تحرير مجلة الدراسات الفلسطينية الزميل صقر أبو فخر على ورقة المولى، موافقا على جل ما جاء فيها، لافتا الى أن مداخلته تقرأ الى جانب دراسة المولى.

وبعدما عرض أبو فخر للواقع اللبناني، وانقسام اللبنانيين بين حاضن للجوء الفلسطيني، وآخر معارض له، سرد لبعض الوقائع التاريخية التي رفضت الوجود الفلسطيني خصوصا بعد مرحلة الرئيس بشارة الخوري، و»نضال الفلسطيني في المخيمات للحصول على سقف آمن من «الزينكو» ليتقي حبات المطر التي كانت تعزف فوقها ألحان المقارع المزعجة في الشتاء وتتحول الى صفائح لهبة في الصيف».

ورأى أن واحدة من مشكلات علاقة الفلسطينيين باللبنانيين هي الإغفال القصدي لصورة التمدن الفلسطيني، والتركيز على صورة الفلسطيني الخارج على القانون.

ولفت السيد هاني فحص إلى أنّ العلاقة بين الفلسطيني واللبناني كانت «خصوصاً مع أهل الجنوب، علاقة مصلحة وقيم مشتركة ومصاهرة، أما التفرقة التي تحصل بين الناس من وقتٍ لآخر، فهي شغل السلطة بمعناها العام». ولم تقف الانتقادات عند هذه الحدود، فقد اعتبر مشرف حقوق الإنسان في وكالة «الأونروا» محمود زيدان ما ورد في مداخلة المولى أنها لا تمتّ إلى محور الثقافة والهوية والعلاقة الفلسطينية اللبنانية في أي شيء.

من الارتجال إلى خطة ثقافية موحدة

«التمايز والاندماج الفلسطيني في المجتمع اللبناني منذ العام 1948»، عنوان محاضرة الاستاذ في معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية د. محمود العلي، عرض فيها واقع أوضاع الفلسطينيين في الدول العربية المضيفة، وعلاقتهم بالدول التي لجأوا إليها، واستعرض الواقع اللبناني الرافض لاندماج الفلسطينيين خوفا من قلب التوازن القائم بين الطوائف الدينية والمجموعات الإثنية. واعتبر ان النزاعات المسلحة التي عاشها لبنان مع إسرائيل من جهة، وبين الطوائف والمذاهب اللبنانية من جهة أخرى كان لها أكثر من بعد.

وعقّب الاستاذ في الجامعة اللبنانية د. طلال عتريسي بالإشارة الى أن فكرة التمايز والاندماج مع المحيط اللبناني لم تحظ بالاهتمام المناسب الذي حظيت به الدراسات الأخرى عن الشعب الفلسطيني أو عن العلاقات اللبنانية - الفلسطينية.

ورأى ان الحرب اللبنانية ساهمت أكثر من أي عامل آخر في توسيع شق عدم الاندماج اللبناني - الفلسطيني بعد انخراط الفلسطينيين مباشرة في هذه الحرب. إضافة الى ان استقلالية المخيمات الأمنية ساهمت في توليد مشاعر التمايز عند الفلسطيني واللبناني على حد سواء، معتبرا أن المؤثرات السياسية في مدها وجزرها، هي التي طغت على معظم مؤثرات الاندماج أو التمايز بين الفلسطينيين واللبنانيين.

وتحدث في الجلسة الثانية الباحث في دراسات اللاجئين ومنسق مركز حقوق اللاجئين - «عائدون» جابر سليمان عن «الواقع الثقافي في المخيمات الفلسطينية: المشكلات والاحتياجات»، محاولا رسم الملامح العامة للمشهد الثقافي الفلسطيني الراهن في مخيمات لبنان. وأوصى بضرورة قيام المجلس الأعلى للتربية والثقافة والعلوم في منظمة التحرير بإجراء مسح شامل للواقع الثقافي في المخيمات الفلسطينية، وسعي المنظمة والسلطة الفلسطينية من أجل تعزيز البرنامج الفلسطيني لليونيسف في لبنان وتطوير خدماته.

أما المدير العام لمؤسسة بيت أطفال الصمود قاسم عينا فقال إن «المنهاج الذي تعتمده الأونروا في مدارسها لبناني، يغيب عنه كتاب تاريخ وجغرافيا فلسطيني». وشرح رئيس المجلس الأعلى للتربية والثقافة والعلوم يحيى يخلف، الخطة التي وضعها المجلس لنقل «الثقافة الفلسطينية من الارتجال إلى خطة ثقافية موحدة». ووضع «مسودة للمشروع الثقافي الفلسطيني واستراتجيته المستقبلية»، مضيفاً أنه جرى إقرار الخطة وستوقّع خطة تنفيذية مع اليونيسكو والدول المانحة.

وقدم الاستاذ في علم الاجتماع التربوي د. باسم سرحان مداخلة عن الوضع التعليمي والتربوي للفلسطينيين في لبنان، ضمنه صورة عامة عن الأوضاع المعيشية للفلسطينيين المقيمين في المخيمات، لينتقل الى الأداء التعليمي للفلسطينيين، ليصل الى طرح جملة أسئلة تتعلق بكيفية النهوض بأوضاع تعليم الفلسطينيين، ومنها فتح أبواب التعليم الجامعي للطلاب الفلسطينيين المقيمين في لبنان، وإقناع وزارة التربية والتعليم العالي اللبنانية بمعاملة الطلاب الفلسطينيين نفس معاملة الطلاب اللبنانيين من حيث الالتحاق بكليات الجامعة اللبنانية كلها، إحياء فكرة قيام منظمة التحرير بإنشاء جامعة خاصة فلسطينية في لبنان، وتعزيز مساعي الاونروا لتوسيع المصادر التربوية الدولية الداعمة للتعليم الجامعي للفلسطينيين في لبنان. وعقبت د. نجلاء بشور على سرحان وشددت على اعتبار مشكلة التسرب المدرسي بأنها مشكلة مشتركة لبنانية فلسطينية، وبالإشارة الى أن ظاهرة تعليم الفتيات بنسب أكبر من تعليم الشباب في المراحل ما بعد الابتدائي، كما ذكر سرحان، بأنه أمر جميل، لكنها سألت ألا يمكن الفلسطينيين أن يكون لهم الاثنان معا؟ ورأت أن العملية التربوية تبقى منقوصة ما لم يعد الفلسطينيون الى ديارهم. وحتى ذلك الحين عليهم التنسيق مع المؤسسات المعنية لتأمين الحد الأدنى من الحقوق الإنسانية للفلسطينيين.

ورأت المديرة العامة للمعهد الوطني للتدريب التربوي في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية شهناز الفار ان الهوية لا تورث، وهي تبنى، ومن السبل لبنائها هي المناهج التعليمة، ومصادرة أخطر من مصادرة الأراضي، فإذا بقيت الهوية يمكن إعادة الأرض وبناء المنازل.. واعتبرت أن المناهج المدرسية ليست المقررة للدراسة، بل يتخطاها الى بنية المادة التعليمية وحقائق ونظريات وأنشطة متعددة. وعقب أحمد مفلح على الفار، وسأل عن الجهة المسؤولة عن تعزيز الهوية الفلسطينية في الشتات، هل هي الاونروا أم منظمة التحرير أم السلطة الفلسطينية؟ لينتقل بعدها الى ما يدرسه الفلسطينيون في المناهج اللبنانية، رافضا وضع اللوم عليها، معتبرا أن اللوم يقع على غياب مناهج وثقافة مدرسية فلسطينية.

وكانت الندوة قد افتتحت في فندق البريستول برعاية المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (أليكسو)، في اطار احتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية 2009، وحضر الجلسة الافتتاحية وزيرة التربية والتعليم العالي بهية الحريري ممثلة رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة، وزير الثقافة تمام سلام، وزيرة التربية والتعليم العالي في السلطة الوطنية الفلسطينية لميس العلمي، مساعد المدير العام لـ»اليكسو» عبد الرحمن البناني، سفير فلسطين في لبنان عباس زكي، رئيس المجلس الاعلى للتربية والثقافة في منظمة التحرير الفلسطينية يحيى يخلف وعدد من كبار التربويين والاكاديميين وشخصيات لبنانية وفلسطينية.