يصادف العاشر من نيسان ذكرى إستشهاد القادة محمد النجار أبو يوسف وكمال عدوان وكمال ناصر، وزوجة الشهيد أبو يوسف النجار وذلك عندما قامت مجموعة كومندوس يساعدها عملاء بإشراف باراك وزير العدوان الاسرائيلي الحالي بإغتيال هؤلاء القادة في منطقة الفردان في بيروت في العام 1973. وفي هذه المناسبة، وفي هذا الوقت بالذات نفتقد هؤلاء القادة التاريخيين الذين أصبحوا في ذمة الله، نفقتدهم لأنهم مثلوا عبر مسيرتهم الكفاحية المثل والمبادئ والقيم الثورية والوطنية الفلسطينية.

 

لقد اخترنا ما كتب عنهم عند استشهادهم من رفاق دربهم وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح خالد الحسن الذي أصبح شهيداً أيضاً كتب عن أبو يوسف النجار عضو اللجنة المركزية لحركة فتح.
 

في عام 1948 شارك في القتال ضد اغتصاب فلسطين وخرج من مشاركته تلك ببتر في يده، حمله علامةً لا تزول تذكره بقضيته وبالثمن الذي تستحقه. وحيث وقف عام 1965 بين تلك الحفنة المجهولة من الرجال التي اعلنت انبثاق الثورة الفلسطينية وحددت لها هدف التحرير الكامل كان ابو يوسف نموذج تواصل في النضال. ولم يكن بذلك يمثل نفسه، إنما كان يمثل جيله بأكمله هذا الجيل الذي لن يخذله، فلبى الدعوة حتى أصبحت إحدى أقوى حقائق التحدي في المنطقة.
قبل ذلك، واجه ابو يوسف مثل جيله بأكمله، التشرد والجوع والفقر. وحين حملته احدى السفن إلى سوريا قادماً من مخيمات غزة كان بالكاد يملك ما يقيم اوده. ومن خلال نقطة الصفر التي كان عليها انطلق يواجه مشاق الحياة، واستطاع بجهده وكفاءته أن يبني لنفسه حياة خاصة مريحة تغري أي إنسان بالركون للراحة والهدوء.
ولكنه أيضاً مثل جيله بأكمله، تخلى بسرعة وبوعيٍ كامل عن كل ما بناه إثناء تلك السنين وقرر الالتحاق بالثورة. وأبرز بقراره هذا حنين الفلسطينيى للارض واصراره على النضال من اجل العودة إليها. اثبت أكثر من ذلك أن ما خطط لإستعياب الفلسطيني وتذويبه في مدن العالم ومشاريعه يتهاوى بلحظة واحدة يلوح فيها بريق العمل من أجل فلسطين.
وحين دخل عالم القيادة، ظهرت من خلال اسلوبه في العمل ميزات تراثه النضالي، فهو لم يكن ذلك النموذج المتطرف من الرجال. ولم يكن ذلك النموذج المرن من الرجال. كان مزيجاً من التطرف والمرونة، من الصراحة المطلقة والصمت، من الإيجاز في الحديث والممارسة المستمرة. وبهذه الروحية، وبهذا الاسلوب، كان يعالج كل مشاكل المسيرة، سواءً داخل الاطار التنظيمي أو في مهامته السياسية. وبقدر ما كان الكثيرون ينزعجون من صارحته، كان الجميع يحبونه ويقدرونه، لأنهم كانوا يعرفون في النهاية أي رجل صريح، أي رجل صلب، أي رجل مرن هذا الذي يتعاملون معه.
كما كتب فاروق القدومي عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عن كمال عدوان عضو اللجنة المركزية لحركة فتح:
تسلم كمال مكتب الاعلام فكان مسؤولاً دؤوباً في عمله دائم البحث والتنقيب عن كل طاقة ثورية خيرة ليحشدها في هذا المكتب المتواضع واستطاع أن يستقطب الداني والقاسي من الصحفيين ورواد الكلمة من العرب والاجانب وكان يجالس الكثير منهم ويتحدث إلى البعض وينقل كل أفكاره وتصوراته عارية من الرتوش وأساليب المجاملة، فإذا احس بأن هناك من يحاول أن يحتال على الخبر أو يزيف الكلمة إنطلق كمال يرشقه بجمل طاحنه لا تجعل لمحدثه مجالاً للهروب أو التهرب. كانت الحقيقة بارزةٌ في كلمته والفكرة واضحة في حديثه فلا مكان للمجاملات على حساب الثورة أو المبادئ وكم من الناس من غضب لصراحته أو لكلمة حق يقولها ولكنه لا يخشى لومة لائم ويقيم الدنيا ويقعدها بحجة ثاقبة ورأي حصيف إذا دافع عن قضية أو مسألة.

لقد كان كمال عدوان من صدق الثائر وجرأته ما يعجز الواقع عن تحمله فيثير فيه بكلماته واعماله موجات متلاحقة من التأزم فيجعل هذا

الواقع قلقاً مستنفراً يبحث عن الحقيقة بكل ما فيها من مرارة وعن الخلاص بكل ما فيه من تضحيات.
كان كمال عدوان صورة من صور الحياة النابضة بالوطنية والطموح الخلاق يرنو إلى العلا في كل مجال من مجالاته ويتقن فن الثورة ويحفظ دورسها عن ظهر قلب ويلقنها للناس. لقد كانت تلميذاً واستاذاً في آن واحد وكان قمة في التحدي والتجاوز البناء. لقد عظم الكلمة في فكره وعقيدته من أجل العمل في نضاله وكفاحه اليومي، وإجتاح أرض الثورة بنظره الثاقب فكان فارساً يجيد السباق في كل ميدان من ميادين العمل والمعرفة الوطنية، كان كمال صاحب حجة قوية وعقل منظم وذه واقد تتدافع الافكار في رأسه كأمواج البحر تتلاطم بعنف لتعود مرة أخرى إلى الاعماق في حركة مد وجزر واعية مستمرة لا تنقطع أبداً.
لقد أخرج جريدة " فتح" وأشرف على أدارتها وعبأ لها الكوادر والكفاءات فكانت واسعة الانتشار توزع عشرات الالاف من النسخ في ساعات قليلة وكانت تتلقفها أيدي الناس بسرعة مذهلة. وكثيراً ما كان يكتب الافتتاحية بقلم ساخر منتقداً أوضاعاً خاطئة أو نظاماً عربياً متخاذلاً. فكانت كلماته لادعةٌ قارصة تجلد الخطيئة في مهدها بأصوات الحق وتكشف الانحرافات بوضع الحقائق عاريةٌ تحت نور الشمس لم تكن للاعراف الدبلوماسية حظ وفير في حديث كمال ومقالاته فإذا دافع عن رأي كان دفاعه صلباً عنيداً فيه حده وفروية ويندفع إلى الامام بجرأة وشجاعة يخوض المعارك غير هياب ولا وجل ولكن إذا صدرت له التعليمات وقف عنده حده وكان خير من إلتزم بها وأول من نفدها بدقة واخلاص.

كان رحمه الله يكره الهزيمة ولا يعرف الاستسلام ويتمنى لو يصبح قنبلة زمنية تنفجر كل يوم وتصيب اعداءه. وفي الاشهر الاخيرة من حياته اشرف كمال على المسيرة النضالية داخل ارضنا المحتلة فكان قائداً فذاً في ارادته وصائباً في خططه وقد تسلم بالاضافة إلى مهامه الاساسية مسؤليات اخرى، كان يتولاها بطيبة خاطر دون تذمر وينزجها في حينها أو قبيل الاوان.
أيضاً كتب صلاح خلف أبو اياد الذي استشهد في العام 1991 عن كمال ناصر عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية:
كان الشهيد لا يكتفي بعرض وجهة نظره وإنما كان يقاتل من أجلها بشجاعة نادرة غير ابه بما يقوله الاصدقاء والاعداء على السواء وكم خاض المعارك تلو المعارك من اجل مبادئه وافكاره وأرائه في قضايا الثورة الاساسية والفرعية... ولعل أهم هذه المعارك التي خاضها واستشهد وهو يصب من قلبه دماً من اجلها هي قضية الوحدة الوطنية بين فصائل الثورة فقد كان له رأي محدد في هذا المجال لم يهتز ايمانه به إلى أخر لحظة في حياته فقد كان يرى " أن القضية الفلسطينية ولدت من جديد من خلال الثورة والكفاح المسلح وأن من حق اللذين يموتون ويقاتلون أن يقودوا المرحلة وبالتالي فعلى كل حملة البنادق والملتزمين بخط المقاتلين أن يتوحدوا في جبهة واحدة وعلى أرضية واحدة" ورغم كل الخطوات الوحدوية التي خطتها لقاءات المجلس الوطني الفلسطينية الاخير إلا أنها كانت دون مستوى طموح الشهيد " لم ينتهي الحديث عن الوحدة الوطنية الفلسطينية إلا باقامة التنظيم الثوري الموحد ولن ينتهي النضال الدؤوب من اجل تحقيق وحدة اداة الثورة الفلسطينية الا بخلق التنظيم الثوري الموحد.
لقد فقدت الثورة الفلسطينية والعربية رجلاً شجاعاً لأن الشجاعة في معناها الحقيقي الالتزام بخط الثورة في المحنة والرخاء وكذلك كان كمال ناصر...

وفقدت الثورة رجلاً مفكراً صاحب كلمة شجاعة وهادئة وعاقلة وثورية في نفس الوقت وقيمة الكلمة أن تكون كذلك في مرحلة خطيرة تمر بها الثورة....
وفقدت الثورة انساناً كان يتعذب بصمت دون أن يجعل الاخرين يحسون بهذه المعاناة القاسية كان بين الحين والحين يتحسس مواقع الخطر فيتحدث ولكن بدون ألم وينذر ولكن بلا ضجيج ويحذر ولكن بالتزام كامل.... والانسان الكبير وحده هو الذي يستطيع أن يجترح هذه المعجزة فيصمت عن احزانه ليبدو ايمانه اكبر من جراحاته وليبدو تفاؤله أقوى من واقع آلامه ومعاناته.... والخسارة هنا في كمال لا تعني المدلول المادي للكلمة بقدر ما تشير إلى عمق الفراغ الذي سيخلفه غيابه الابدي عنا....
ولن يحس بهذا الفراغ القاسي إلا اولئكم الذين عاشوا مع كمال في احلك الظروف واقساها والذين كان يسكب في قلوبهم من حنانه واشراقة محياه ما يجعلهم ينسون احزانهم. واخيراً لقد قتلوك ثم صلبوك وكأنهم يريدون أن ينذروا كل الاديان هذا مصير الفكر والعقيدة ولكنهم ما دروا أن دمك الغالي جعل المسلمين مسيحيين وجعل المسيحيين مسلمين. فصلوا عليك في المسجد وصلوا على رفيقيك أبو يوسف وكمال عدوان في الكنيسة... نعم اغتالوك اغتالوا معك اعز الرفاق اعظم الرجال واحب الاخوة والمناضلين ولكنهم لم ولن يغتالوا القضية التي قضيت ورفاقك من اجلها..

لقد تركتنا يا كمال انت ورفقاك لنكتب فيكم الرثاء ونحن نعيش أدق وأخطر مراحل القضية ولكن عزائنا أننا سنظل على العهد وعلى نفس الطريق واصرار على نفس الخط ثورة مستمرة لن نخون او ننحني او نستسلم وسيظل نضالنا من اجل مبادئكم اكبر من الالم واقوى الجرح نصارع الاحزان ونحن نردد كلماتك يا كمال.
" أما القيادات فتتغير واما الاشخاص فسيزلون وتبقى القضية اكبر من القيادات والاشخاص ولا بد ان يذوب الجزء في الكل او يذوب الكل في الثورة قبل ان تسقط الثورة الاجزاء التي لا تستحق الحياة.

 

رحم الله شهداءنا الذين غادرونا باكراً لكنهم تركوا لنا إرثاً وطنياً نعتز ونفتخر به، ونستقي منه ما يشفي الغليل عندما تعزّ الرجال.