وهكذا، فنحن على موعد في الثالث والعشرين من هذا الشهر، للقاء في القاهرة، يجمع الأخ الرئيس أبو مازن مع الأخ خالد مشعل أبو الوليد، تطرح فيه موضوعات عديدة، ربما يكون أكثرها إلحاحا هي المصالحة التي تجمد برنامجها التنفيذي منذ الرابع من أيار الماضي، حيث ذكرت أسباب كثيرة لذلك الجمود منها ما هو شكلي ومنها ما هو جوهري، مثل الاختلاف على اسم رئيس الحكومة الجديدة، حكومة الوحدة الوطنية من شخصيات فلسطينية مستقلة، والخلاف حول مفهوم التوافق، وهل هذا التوافق يعني حق الفيتو أم حق الإبداع في اقتراح مخارج حقيقية ممكنة قابلة للتنفيذ!!! واختلاف حول مفهوم الشراكة، وهل الشراكة تعني تكبير الحصة في عملية المحاصصة، أم تكبير العبء والدور والمسؤولية والسلوك الإيجابي ؟؟؟المصالحة الفلسطينية اليوم لها معطيات جديدة، وها نحن نرى بأم أعيننا أن إسرائيل ترفض هذه المصالحة الفلسطينية للمرة الألف، وهذا يعني دون أية رتوش أن إسرائيل تريد استمرار الانقسام، وتريد استغلاله بأبشع الأشكال كما حدث طيلة الخمس سنوات، وأبشع بشاعات الاستغلال هي الطعن في أهلية الفلسطينيين في حقهم في دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشريف .

من بين المعطيات الجديدة الضاغطة باتجاه المصالحة، أن موضوع الدولة الفلسطينية أصبح فعلا من أولويات الأجندة العالمية، والأدلة على ذلك راسخة وكثيرة، من بينها استقبال خطاب الرئيس أبو مازن في الجمعية العامة استقبالا خارقا وغير عادي، وحصول فلسطين على أصوات أكثر من ثمانين في المائة من أصوات دول العالم الممثلة في اليونسكو، وقبول فلسطين لعضوية كاملة!!! وحصول فلسطين على عضوية مشارك في مجلس الاتحاد الأوروبي الذي يضم تسعة وأربعين دولة، وأننا العضو العربي الثاني الذي يحصل على عضوية مشاركة بعد المغرب الشقيق، وأننا مستمرون في مسارنا المتصاعد نحو الاستقلال وتقرير المصير .

ولكن هذا المسار المتصاعد يحملنا بمسؤوليات اكبر، وأول هذه المسؤوليات نهوض الإرادة الوطنية برفض وإنهاء الانقسام، لأن أوراق الانقسام كلها تساقطت، ومبرراته كلها تساقطت، ورهاناته وأوهامه كلها تساقطت، وآن له أن ينتهي ويزول كما لو أنه مجرد كابوس ليس إلا .

ثم إن القراءة المعمقة لما يجري حولنا في العالم العربي، سواء كان ربيعا أو إعصارا، يفرض علينا أن نتخندق معا، وأن نذهب معا إلى استحقاقاتنا، وأن نتحمل معا عبء ومسؤوليات طموحنا الوطني المشروع، وكل ذلك لا يتماشى مع الانقسام، هذا الانقسام الذي ثبت من خلال التجربة التفصيلية على امتداد خمس سنوات، أنه لم يكن سوى عملية إجهاض وطني، ولا يمكن تحويله إلى شيء مفيد للشعب الفلسطيني . ثم إن الاحتلال الإسرائيلي الآن في أشرس حالاته، الاحتلال الإسرائيلي الآن مثل وحش محاصر بالنيران المشتعلة، يحاصره المزاج الدولي الذي لم يعد يقبل أن يسوغ بقاء هذا الاحتلال، وليس هناك زعيم إسرائيلي في الثلاث والستين سنة الأخيرة وصف بأنه كاذب، أو لا يمكن تصديقه، أو لا يمكن الوثوق به، مثلما حصل مع نتنياهو في السنة الأخيرة، وهو على رأس هذا الائتلاف من الذئاب الهائجة المحاصرة، التي تريد أن تخرج من هذا الحصار بأي ثمن، حتى لو كان هذا الثمن هو قرع طبول الحرب في المنطقة بأسرها، وليس فقط قرع طبول الحرب ضد قطاع غزة أو ضد جنوب لبنان .

و لا بد أن نكون معا في مواجهة ذلك، وندرس التوقعات بعمق، لأن الحالة السابقة من تجاذبات الانقسام، والتي كانت تنطلق منها تلك الاتهامات الرعناء السطحية تبدو اليوم مثارا للسخرية، ولا يمكن استدعاؤها مرة أخرى، بغض النظر عما نراه من بعض الأفراد الذين مازالوا يتاجرون بتلك البضاعة الفاسدة ومنتهية الصلاحية، ولكن هؤلاء وزنهم هامشي برغم ما يستطيعون أن يلحقوه من الأذى بصورتنا الفلسطينية، وأنهم ليسوا هم الذين يقررون خط الاتجاه الرئيسي الفلسطيني الرئيسي .

اعرفوا تماما أن أوساط الجماهير الفلسطينية تشعر بالحذر، وأن بعض النخب تطالب بعدم تضخيم التوقعات حتى لا يتم تضخيم الاحباطات!!! كل ذلك مفهوم وواضح جدا، وأريد أن أسجل انه بعد توقيع حركة حماس على ورقة المصالحة المصرية في الرابع من أيار مايو الماضي، وحتى خلال فترة الجمود التي أعقبت هذا التوقيع، فإن المعادلة كانت مقبولة على نحو ما، المعادلة كانت تقول بعدم القدرة على الذهاب قدما نحو تنفيذ المصالحة، ولكن يقابلها عدم الرغبة في التدهور إلى الخلف!!! وهذا يعطي أملاً موضوعياً بأن المضي قدما في تنفيذ المصالحة هو الخيار الأرجح .

أسئلة المرحلة المقبلة تخص الجميع، ولا تقتصر على الهيكل الرسمي فقط، إنها تخص فتح وحماس وكل الفصائل داخل منظمة التحرير وخارجها، وداخل السلطة الوطنية الفلسطينية وخارجها، كل طرف له أسئلة ملحة جدا بخصوص المستقبل القريب والبعيد، أسئلة مبنية على وقائع ومبنية على توقعات واحتمالات واستنتاجات، ويتوجب أن نكون معا لنجيب عن هذه الأسئلة الملحة الضاغطة، بعض هذه الأسئلة يتعلق بممكنات قد تصبح مستحيلة!!! وبعضها مرتبط بإعادة ترميم وصياغة العلاقات مع الأشقاء العرب في ظل المتغيرات القائمة!!! أو إعادة ترتيب الأولويات!!! فليس هناك طرف بمنأى عن هذه الأسئلة، وعلينا البحث عن استراتيجية فلسطينية جديدة، وليس معنى ذلك أن الخلافات والتباينات لن يعود لها وجود!!! بالعكس، ولكن المطلوب أن لا يتحول الخلاف إلى مطلب أول ورئيسي يبحث عنه هذا الطرف الفلسطيني أو ذاك لكي يبرر وجوده .

واليوم، وبصراحة شديدة، تبدو بعض شعارات المراحل السابقة مثل المقاومة والممانعة أو الاعتدال وكأنها شعارات بلهاء وخارج السياق!!! ذلك أن المنظومة كلها في المنطقة تتغير، ومعها شبكة بديهيات ومسلمات وأولويات تتغير في العالم كله، ثم أشياء كثيرة أصبحت من الماضي ذهبت ولن تعود أبدا، وتلك العناصر التي ذهبت ولن تعود كانت جزءا رئيسيا من آليات صنع القرار الفلسطيني .

ما هو شكل العراق الآن ؟؟؟ ما هي صورة تونس وليبيا واليمن ؟؟؟ أين أصبحت سوريا زعيمة حلف الممانعة ؟؟؟ أين هي مصر في مشوارها الجديد الذي بدأ وقد يستغرق وقتا أطول من ما يعتقد الجميع ؟؟؟إن جمودنا الفلسطيني على الصيغ السابقة، والرهانات السابقة، والأوهام السابقة، يعني مجرد انتظار الموت!!!و من هنا يجب أن نثمن عاليا للرئيس أبو مازن قدرته المسبقة على نقل القضية الفلسطينية في توقيت حاسم إلى الأمم المتحدة، والمجتمع الدولي والمقاومة الشعبية السلمية، وحق تقرير المصير .... الخ لأن القضايا التي لا تتجدد تموت ولأن الوسائل التي لا تتجدد تصبح عبئا بلا جدوى .

قد لا يجيب لقاء الثالث والعشرين من هذا الشهر على كل الأسئلة وهذا طبيعي، لأن الحوار مفتوح مع الجميع دون استثناء، إنه ليس حكرا على فتح وحماس بل هو مفتوح على الكل الفلسطيني وعلى الكل العربي وعلى الكل الدولي أيضا، حوار يجب أن نذهب إليه متحررين تماما من رهانات وأوهام عاش عليها البعض في المرحلة السابقة، فنحن نريد الآن شيئا محددا ومشروعا وليس الطفو على سطح مائع، نريد حضورا على الجغرافيا مثلما نحن حاضرون في السياسة، أي دولة، دولة فلسطينية مستقلة في أرض فلسطين، فهذه وحدها قارب النجاة للعبور إلى المستقبل .