العملية الخاصة الإسرائيلية، التي اكتُشِفَت بالصدفة المحضة في مدينة غزّة، ثم جرى الاصطدام معها في شرق خانيونس في 11/11/2018، وأدَّت لاستشهاد خمسة عشر مواطنًا، وعشرات الجرحى، بالإضافة لقتل قائد العملية الإسرائيلي وجرح أحد مساعديه، أماطت اللثام عن خفايا كثيرة، وعن ثغرات أمنية فاضحة في أجهزة "حماس" الأمنية، رغم محاولات قيادة الانقلاب الحمساوي حرف الأنظار عن المستور من خلال الترويج لـ "الانتصار" الشكلي والمحسوب جدًّا بينهم وبين العدو الإسرائيلي.

فالمجموعة الإسرائيلية الخاصة تبين أنَّها تُقيم في محافظات غزة من شهور، واستأجرت شقة أو شققًا، بالإضافة لقطعة أرض مساحة 2 دونم في منطقة شرق خانيونس من أحد قيادات حركة "حماس"، وكانت تحت تصرفها سيارتان واحدة للنقل والأخرى للتنقُّل، ومعها أجهزة تقنية متطورة جدًا، ليس للاتصال فقط، إنّما للبحث والتنقيب عن الأنفاق، والبث المباشر لما تجمعه من معلومات عن الأفراد والرهائن الإسرائيليين والمواقع العسكرية والمعدات والأسلحة والأنفاق الموزعة في القطاع، وخّصص لها خيمة في ما يسمى معسكرات العودة، وتمكّنت من القيام بزيارات للعديد من منازل السكان في المدن المختلفة. وهو ما يكشف عن اختراق كبير جدًّا للمنظومة الأمنية في أجهزة حركة الانقلاب الحمساوية.

ومن الجلّي التأكيد أنّ المجموعة على تماس مع عملية اغتيال مازن فقها يوم الجمعة الموافق 24 آذار/ مارس 2017، التي تمَّ اتهام أشرف أبو ليلة بتنفيذها، وتم إعدامه لاحقًا للتغطية على عار الفضيحة، مع انه تم اعتقال قرابة الـ500 شخص للتحقيق معهم حول ذات العملية. وأيضًا للمجموعة أو المجموعات الإسرائيلية الخاصة صلة بعملية اغتيال سبعة مهندسين في منطقة الزوايدة في تشرين الأول/ أكتوبر 2017، ولم يُعلَن عنها، وتمّ التستُّر عليها كليًّا. حيث كادت المجموعة الإسرائيلية تنجح في اختطاف يحيى السنوار شخصيًّا لولا تدخل قوات سرايا القدس التابعة للجهاد الإسلامي، التي قطعت الطريق على المجموعة المعادية، وتمكنت من الاختفاء أو اختراق الحدود، وهو ما يشير إلى أن المجموعات الخاصة الإسرائيلية تتحرك بحرية في محافظات الجنوب، وبأريحية شديدة.

ووفق معلومات مصادر أمنية شبه مؤكدة، فإنّ أجهزة الأمن الإسرائيلية تمكّنت من تجنيد العديد من كوادر وقيادات من حركة "حماس" من خلال الإغراءات وغيرها من الأساليب. وبفضلهم تمَّ استئجار العديد من الطوابق العُليا (الروف) في المدن الفلسطينية داخل القطاع وخاصة مدينة غزة.

وبدل أن يلوذ موسى أبو مرزوق بالصمت ليخفي عورات حركته، ذهب للادعاء أنَّ المجموعة الإسرائيلية "دخلت من المعابر الفلسطينية" محاولاً توجيه الاتهام لأجهزة السلطة المدنية، مع أنّ أجهزة "حماس" الأمنية تطبق الخناق على كل المعابر، ولا تسمح للعاملين في المعابر بإدخال أو إخراج أحد دون المرور عن حواجزها الأمنية. كونها المسيطر حتى الآن على المحافظات الجنوبية بشكل كامل، ولم تسمح لحكومة الوفاق الوطني بتسلم مهامها.

عملية الحادي عشر من تشرين الثاني / نوفمبر الحالي (2018) كشفت المستور، ولم تغطِ عملية التصعيد المحسوبة والملازمة لها من الكشف عن عقم وإفلاس المنظومة الأمنية لفرع حركة الإخوان المسلمين الانقلابي في فلسطين. وكنتيجة للعملية المذكورة، فإنَّ الاستخلاص المنطقي يشي بأنَّ المجموعة المكتشَفة، ليست الوحيدة، التي تعمل في القطاع، بل يمكن الجزم أنَّ هناك مجموعات إسرائيلية خاصة أخرى تعمل في القطاع، وهي إمّا أن تكون اختفت عن الأنظار مؤقّتًا ونزلت تحت الأرض، أو انسحبت مؤقّتًا إلى داخل (إسرائيل) حتى تمر أجواء الاستنفار، وتعود الحياة الطبيعية لسابق عهدها. الأمر الذي يفرض على أجهزة حركة الانقلاب الحمساوية البحث والتدقيق داخل البيت الحمساوي جيّدًا لأكثر من سبب وعامل يتعلق بواقع "حماس" نفسها، ولافتقاد ثقة أبناء الشعب الفلسطيني بها، وبسبب الظروف الصعبة، التي يعيشها المواطنون الفلسطينيون، ممَّا سمح لأجهزة الأمن الإسرائيلية من تجنيد العديد منهم في صفوفها، أو ورطت بعضهم دون أن يدري بالعمل لصالحها. والخيار الأمثل لحماس أن تعود لجادة المصالحة، وتسلم الحكومة الشرعية مهامها كاملة لتتمكن من ضبط إيقاع العملية السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وتعيد الاعتبار للثقة مع الشارع الفلسطيني.