قد يساوي التناقض المتأصّل في الأشخاص المرضى بالانفصام في العالم ما هو متأصل في شخصية واحدة من مشايخ وأمراء جماعة الإخوان المسلمين- فرع فلسطين- المسمّى (حماس)، ولعلّنا لا نخطئ إذا سقنا رئيس الجماعة في غزة يحيى السنوار مثالاً طازجًا!!

لا تزال صور حافلة جنود الاحتلال الفارغة التي نشرتها وسائل إعلام جماعة السنوار أحسن وأهم دليل على الفراغ المعرفي والعلمي والمنطقي الذي يعيشه أمراء جماعة "حماس"، ومؤشرًا واضحًا على سطحية وسذاجة ما يقدمونه للجمهور من كلام هو في الحقيقة بوزن الريشة إذا ما قورن بوزن الأسلحة التي يتحدثون عنها، فالسنوار قال: "لقد أدرك العدو أنّ صمتنا لم يكن عبثيًا فالرشقات الصاروخية التي ضربت بها المستوطنات أكثر عددًا وأكثر دقة ورؤوسها التفجيرية أضعاف مضاعفة"!!!، لكن ماذا عن دقة صاروخ (الكورنيت)؟! ولماذا لم يتم تكبيد جيش الاحتلال– نؤكّد هنا على الجيش- خسائر بشرية أضعاف خسائرنا الفادحة في الأرواح خاصة من المدنيين الأبرياء!

لا يستوي كلام السنوار مع وقائع المعركة على الأرض أبدًا فقد قال رغم ضعف التعبير اللغوي: "لن يلقى الاحتلال منّا إلا البارود والنار ولن يجدوا منّا إلا الموت"!!! والسؤال هنا، ما السبب الذي جعل عسكر السنوار يحفون جنود جيش الاحتلال وضباطه المستنفرين والمحتشدين لقصف غزة بالشفقة والرحمة؟! وماذا عن معادلة: "لو زادوا لزدنا" التي نسبها السنوار لمحمد الضيف، ألا تستحق التطبيق على الأرض؟! أم تراها حسابات خاصة بسلامة رؤوس مشايخ وامراء وعسكر حماس، وتأمين سلطة الانقلاب وضمان محطة الانفصال، أم تراه رد الجميل لنتنياهو الذي أثبت أنه الأحرص عليكم، فهو لن يُفرّط بخطة رئيس حزبه ووزير حرب دولته الأسبق اريئيل شارون، الذي رآكم المانع الأصعب على درب قيام دولة فلسطينية مستقلة فانسحب من قطاع غزة بعد أن اطمأن لقوتكم ولقدرتكم على تقييد حركة المشروع الوطني.

يعلم السنوار أنّ مشهد امرأة قتيلة في مستوطنة بجوار غزة يخدم رواية وادعاءات حكومة وجيش دولة الاحتلال، لتجييش رأي عام محلي ودولي لكن ذات جيش وحكومة الاحتلال لا يمكنهما على الإطلاق تسويق واستغلال صور جنوده القتلى في أرض المعركة، لأنهم بالأساس يمثلون قوات الاحتلال، لكن سياسة السنوار قد حيّدت الجنود المحاربين، وربما يجيبنا على المغزى من هذا التكتيك قائد جيوش الحلفاء (مونتغمري).

نذكر السنوار (أبو الموت النار) بشريط فيديو وصور آلة جماعته الإعلامية تحت عنوان: "ضبّاط وقنّاصة الاحتلال تحت مرمى نيراننا" فيما كان قناصة الاحتلال يتسابقون ويتراهنون على قتل وكسر عظام شبابنا بالعشرات كل يوم جمعة!

السنوار شكر قطر على الـ15 مليون دولار لموظفي "حماس" والسولار، لكنه وجَّه صفعة قوية للمشكور ذاته، فهو قد قال في خطابه أمس الأول في خان يونس: "ظنوا أننا نبيع الدم بالسولار والدولار.. خاب ظنهم وفألهم وسعيهم"، ثم مضى في موقع آخر في ذات الخطاب موجّهًا كلامه لممارسي التطبيع فقال: "افتحوا لهم قصوركم.. إنّ مراهنتكم على الاحتلال بتثبيت عروشكم ستبوء بالفشل".

إن كان السنوار قد غفل فإنَّ محرك البحث غوغل كفيل بتحريك ذاكرة الملايين في ثوان معدودة، وبإمكان كل باحث عن شعاع الحقيقة الذي حاول السنوار تغطيته بغربال أن يرى ويسمع (السفير المشكور) وهو يبلّغ واحدًا من مشايخ جماعته (خليل الحية) رسالة من كلمتين فقط: "نبغي هدوء".

حاول السنوار اللعب على الخلاف السياسي القائم بين قطر ولإمارات فهاجم المطبّعين مع الاحتلال وذلك تماشيًا مع شعار الجمعة الماضية: "التطبيع خيانة" في إشارة واضحة وصريحة إلى الاستقبال الخاص الذي حظيت به وزيرة الثقافة والشباب في دولة الاحتلال ميري ريغيف على رأس مجموعة رياضيين إسرائيليين شاركوا في مسابقة (غراند سلام) للجودو في أبوظبي، وكأنّ عزف النشيد الإسرائيلي عندما فاز رياضيون إسرائيليون بميداليات في البطولة العالمية للجمباز في الدوحة كان في جزر (الواق الواق)!!!!

تشي كلمات السنوار أمس الأول بخلاف عميق بين أركان الاخوان المسلمين فرع فلسطين (حماس) حول قضية الدولار والسولار، فهو قد وجه الشكر ثم سارع لتوجيه صفعة (الخيبة) في جمعة (التطبيع خيانة). وهو يقول:" دول عربية تفتح أبوابها لنتنياهو ووزرائه وللصهاينة المحتلين الذين يدنسون قدسنا" ونسي أنّ حقائب الـ15 مليون دولار قد مرّت عبر صراف أجهزة أمن الاحتلال الإسرائيلي ذاته الذي يحتل القدس ويعمل على تهويدها!!