الإعلام الرسمي، هو في الواقع الإعلام الوطني، بمفهوم الوطنية الحقة في خدمتها للمصالح الوطنية العليا، على مختلف مستوياتها، وفي سيرتها النضالية، وتطلعاتها المستقبلية في الحرية والاستقلال، وفي بناء دولة العدالة الاجتماعية، وسيادة القانون، والتنافس الديمقراطي في دروب التنمية والتطورات المنوعة، وبرغم صعوبات شتى، مادية وتقنية وإدارية ومعنوية، تمكن الإعلام الرسمي، وخاصة بعد أن تجمع في مؤسسة واحدة، بقيادة واحدة، تتبع الرئاسة، بوصفها واحدة من مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، تمكن الإعلام الرسمي، بعد هذا التطور، من بناء تجربته المهنية الإبداعية، وامتلاك رؤيته وإطاره الفلسفي الجامع لأفكاره ومصطلحاته، وتكريس هويته الوطنية بلغة فلسطين الجامعة، التي لا تهادن ولا تناور ولا تغالط الواقع، ولا تقبل أيا من أحابيل الشعارات الاستهلاكية، ولا أحابيل المفاهيم المغربنة التي لا تريد لهذه اللغة أن تسود في فضاء الرأي العام الفلسطيني!!
ولم  يحتكر الإعلام الرسمي، عمل الإعلام في الساحة الفلسطينية، ولن يحتكر هذا العمل أبدا، والوقع الإعلامي في هذه الساحة يقول ذلك بمنتهى الوضوح، فثمة إذاعات ومحطات تلفزة، ومواقع وصحف إلكترونية عديدة، للقطاع الخاص، وللأحزاب والفصائل ومؤسسات المجتمع المدني، تنوعت في لغتها وغاياتها الإعلامية، السياسية، والحزبية، والتجارية، وبعضها خارج سياق الشروط المهنية والتقنية، وبعضها الآخر خارج اطار الجغرافيا الفلسطينية، ولغتها الوطنية..!! ما يعني ان الإعلام الرسمي يواجه تحديات مختلفة لا يتصدى لها بغير المهنية، والمنهج الديمقراطي، والمسؤولية الوطنية والأخلاقية.
والإعلام الرسمي يدرك وبعد امتلاكه الرؤية والاطار والمهنية، خصوصية التجربة الفلسطينية، فيرى مهماته على نحو واضح، في حماية المشروع الوطني التحرري، وفي سعيه لتكريس الرواية الفلسطينية، تحت شعار "نأخذ فلسطين إلى العالم، ونأتي بالعالم إلى فلسطين"، وفي الوقت ذاته يرى الإعلام الرسمي حاله كوسيلة بناء وتنوير، وكضرورة تعزيز للبيئة الاجتماعية ولحمتها، بمنظوماتها الأخلاقية التي يحاول الاحتلال الإسرائيلي، تدميرها بمصطلحات المناطقية والفئوية والعشائرية والطائفية، وحتى الحزبية الضيقة، والإعلام الرسمي اذ يتصدى لهذه المصطلحات لأنه يرى ان وعي الدولة في المحصلة، ووعي الحرية بحد ذاته، لا يستقيم مع لغة الشرذمة بتقسيماتها الخبيثة، وفي هذا السياق يحرص الإعلام الرسمي على التماهي مع لغة الناس بما يعرفون من قيم وعادات وتقاليد، وبما يصدقون من منظوماتها الأخلاقية والعقائدية والأمنية، وبذات القدر يحرص هذا الإعلام على ان تنطوي لغته على المحتوى الثقافي باشكاله الابداعية المتعددة، ما يسمح بتشكيل الرؤية الخلاقة بجماليتها الادبية وبتشكيل الوعي النقدي المسؤول، وبما يكرس وحدة اللغة والمصطلح، ولا خطوط حمراء عند الإعلام الرسمي سوى ما يتعلق بالسلم الأهلي والأمن الوطني.
وبالطبع يعرف الإعلام الرسمي حاجته للبحث والدراسة والحوار من أجل مزيد من الحداثة التطور في أساليبه ووسائله، كي يكون على درجة أعلى في التصدي لمسؤولياته الوطنية والمهنية والأخلاقية، وغايته دائما فلسطين الحرة المستقلة، بالمجتمع المدني المتنور، بشخصيته الوطنية، وسيرته النضالية، وتاريخه الأصيل، وتطلعاته الإنسانية العادلة والمشروعة، وهو يناهض أفكار التطرف والعدمية والماضوية المتحجرة.
الإعلام الرسمي هو بعد كل توصيف وتعريف، إعلام المعرفة والمسؤولية، لا إعلام السبق السلعوي، ولا إعلام المناكفات الحزبية، ولا إعلام البيانات الشعبوية الصاخبة، ولا إعلام التجريب والتقليد، وانه أيضًا بعد كل ذلك، إعلام الدولة برئاستها وحكومتها وشعبها وأحزابها ومؤسساتها المدنية، وبمفهومه الوطني البليغ، ولأن أهل مكة أدرى بشعابها، نرانا في هذا الإعلام صوتا لفلسطين من أجل انتصارها الذي يعرف التاريخ انه حتميته الأكيدة.