عقد القائمون على مركز الأبحاث الفلسطيني التابع لمنظمة التحرير مؤتمرًا، هو الأول من نوعه في فلسطين، وهو بمثابة إعادة إحياء للمركز الأهم في السَّاحة الوطنيَّة الفلسطينية، بعدما توقف عن العمل والإنتاج المعرفي في أعقاب اجتياح إسرائيل للبنان في حزيران/ يونيو 1982، ومصادرتها لمقتنيات المركز آنذاك، التي تم إعادتها مؤخرًا من الجزائر.

ويمكن الإقرار بالجهد المميز للدكتور محمد إشتية، رئيس مجلس إدارة المركز في إعادة الاعتبار للمركز من خلال متابعته ومثابرته مع الأخ الرئيس أبو مازن لإصدار مرسوم بهذا الشأن، وتشكيل مجلس إدارة من نخبة من الأخوة المختصين من الداخل والشتات، عكس روح وطابع منظمة التحرير، وبعث الروح مجددًا في استنهاض الفكر السياسي الفلسطيني من حالة المراوحة والتراجع إلى مرحلة نوعية جديدة من إعمال العقل الفكري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمعرفي عموما.

وتعميقًا لروح التجديد والاستنهاض تم عقد المؤتمر في يومي الأربعاء والخميس الموافقين 21و22 آذار/ مارس 2018 في مقر المقاطعة في قاعة أحمد الشقيري بحضور ثلة من قادة ونخب الشعب العربي الفلسطيني ومن مختلف التجمعات: من الضفة بما فيها القدس والقطاع وداخل الداخل والشتات والمهاجر تحت عنوان: المؤتمر السنوي (الأول) – مؤتمر مراجعة إستراتيجيات الحركة الوطنية: أين أخطأنا؟

ولعلّ انعقاد المؤتمر بحد ذاته، وباعتباره ولادة جديدة لأهم مركز بحثي فلسطيني، ونقطة انطلاق لمؤتمرات سنوية لاحقة يعتبر علامة فارقة في الساحة الفكرية والسياسية، وتحولا نوعيا إيجابيا يحسب للقائمين على المؤتمر. لكن الواجب يملي على من تابع أعمال المؤتمر تسجيل الملاحظات والنواقص، التي شابت أعمال المؤتمر، للاستفادة منها في المؤتمرات اللاحقة، ومنها:

أولاً حشد ثلاثون متحدثًا على مدار 15 ساعة ما بين افتتاح واستراحات وغداء، لم يكن موفقا. لأنَّ الوقت لم يتح لا للمتحدثين ولا للمستمعين من التعبير عن أنفسهم كما يفترض، وكلاهما ظلم، وإن كان المتلقون ظلموا أكثر بكثير من المتحدثين؛ ثانيا الاعتماد في قراءة الأخطاء ونواقص تجربة الحركة الوطنية على قيادات العمل الوطني، لم يكن موفقا، وحتى استشراف المستقبل كان يحتاج إلى شخصيات فكرية وزانة للحديث عن ذلك، وهذا لا يعني بتاتًا عدم إشراكهم، العكس صحيح، ولكن كان يمكن أن يكونوا معقبين، لا متحثين رئيسيين؛ ثالثًا نقص وعدم دقة في تحديد المحاور والمحطات التاريخية، وعلى سبيل المثال ثورة 1936/1939 تحتاج لقراءة مستقلة، ما بين 1948 و1967 هذه محطة لوحدها، لا يجوز دمجها مع محطات أخرى، معركة الكرامة آذار /مارس 1968، كانت تحتاج لوقفة، انتقال قيادة منظمة التحرير من الشخصيات الوطنية لقيادة قوى الثورة بزعامة ياسر عرفات كانت تحتاج إلى قراءة خاصة، اجتياح لبنان 1982 أيضًا كان بحاجة لقراءة مستقلة، ما بعد 1982 مرورًا بانشقاق فتح وحرب البقاع وطرابلس 1983 ومن ثم حرب المخيمات 1985 1987 وحتى الانتفاضة الكبرى محطة مستقلة، الانتفاضة من 1987 حتى 1993 محطة لوحدة، من أوسلو 1993 حتى انتهاء المرحلة الانتقالية 1999 محطة، انتفاضة الأقصى الثانية 2000 حتى 2005، خروج إسرائيل من قطاع غزة حتى الانقلاب الأسود محطة؛ موضوع القدس كان يستحق ملفا خاصًا ، الجانب القانوني لم يول أي اهتمام .. الخ من العناوين والمحطات لم تعط الأهمية المطلوبة؛ رابعًا عدم التدقيق في الأبحاث فجاء بعضها على شاكلة التقرير، لم تسهم بإضافة نوعية، فغاب العمق الفكري والسياسي وحتى منهجية البحث؛ خامسا بدا المؤتمر كأنه عقد على عجل، وكأن الهدف عقد المؤتمر، وليس مخرجاته، الأمر الذي ترك عند المشارك والمستمع انطباعًا ضبابيا عن غايات المؤتمر.

كان يفترض أن لا يزيد عدد المتحدثين عن 3 أشخاص في كل محور، وبعض المحاور شخصين، على ان يعطى للمتلقين مساحة أكبر من الحوار وطرح الأسئلة لا تقل عن خمس دقائق لكل متحدث. كما كان يفترض أن يستمر المؤتمر يوما إضافيا لإعطاء مساحة من الوقت للمحطات والمحاور بهدف إغنائها وتعميق إستخلاصاتها. وهناك ملاحظات أخرى، ليس هنا المجال لإثارتها، وقد لا تثار أبدا لإن طرحها لم يعد مجديا، وستبدو نوعا من نكء الجراح. مع ذلك الواجب يحتم الإقرار بالطابع الإيجابي العام للمؤتمر وللقائمين عليه، ولإطلاقه مجددا الولادة الثانية لمركز الأبحاث الفلسطيني وفي الوطن الفلسطيني. ومبروك لمجلس الإدارة رئيسًا وأعضاء على جهودهم الطيبة.