لا حاجة للحديث عن الأخلاق والقانون في مثل هذا اليوم المشؤوم، مئة عام ولم تعتبر الدولة البريطانية، ولم تدرك حجم الجريمة التي ارتكبتها، والكارثة التي ألحقتها، بشعب طيب الأعراق، وبوطن القداسة والبركة عبر التاريخ والأزمان، وطن الأمن والتعايش والسلام، فلسطين وشعب فلسطين العظيم بأخلاقه بعقائده، حارس الأرض المباركة، ووطنه فلسطين المبارك من الرحمن، تتآمر عليه قوى الشرّ والاستعمار منذ قرون، وتطمع في السيطرة عليه، لما يُمثِّلهُ من قداسة وطهر، عبر التاريخ، منذ أبينا إبراهيم عليه السلام وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فلسطين البركة والمباركة المنتصرة دائماً للحقِّ والعدلِ والتسامح والتعايش والتوحيد والطهارة، أرض العبادة والصلاة، أرض النسك والدعاء، بوابة السماء، أرض المحشر والمنشر، هدفٌ للأشرار عبر التاريخ، ولا أدلَّ على ذلك من تلك الأطماع الاستعمارية الشريرة التي استهدفته في العصر الحديث (إمبراطورية الشر البريطانية)، التي وصل شرُّها إلى أنحاء مختلفة في العالم، عاثت فيه فساداً، وسرقت خيراته واستعبدت شعوبه، وكبرى جرائمها كانت احتلالها لأرض الطهارة والقداسة أرض فلسطين، بعد أن وضعت الخطط في وقت مبكر من القرن المنصرم ورسمت إستراتيجيتها الاستعمارية الاستغلالية للشعوب في مؤتمر دعا له وزيرها الأول ووضع خطط استعمارها للشرق العربي الوزير (كامبل بنرمان) سنة 1907م حيث أقرَّ في خططه ضرورة فصل المشرق العربي عن مغربه بغرس كيان (غريب أجنبي) بينهما ويكون على مقربة من قناة السويس حتى يتسنّى لقوى الشر الاستعمارية السيطرة على بلاد العرب والحيلولة دون وحدتها ونهوضها والحفاظ على تجزئتها وتخلفها، ومع قرب نهايات الحرب العالمية الأولى وظهور بوادر انتصار بريطانيا وحلفائها فيها، كان (وعد) وزير خارجيتها بتاريخ 02/11/1917م كبير المجرمين الاستعماريين آرثر بلفور لكبير الصهاينة بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين ليس (حُبًّا باليهود)، بقدر ما هو استخدام لهؤلاء الأغبياء في المشاريع الاستعمارية، لقوى الشر العالمية، ليؤسس لما لحق بالشعب الفلسطيني وبوطن القداسة (فلسطين) من كوارث ونكبات متوالية، تتناسل وتتناسخ ولم يقتصر آثارها على فلسطين وحدها، بل تعداها إلى المنطقة العربية برمتها، لن أتحدَّث عن بطلان هذا الوعد قانونياً وسياسياً، فهذا مؤكَّد (فهو جريمة) ولا يمكن أن تكون الجريمة مشروعة أو مسوغة بأي شكل من الأشكال وفي أي عصر من العصور، ورغم مرور قرن عليه من الزمن ومع ما خلفه من نواتج كارثية على فلسطين وشعبها بل أيضاً على اليهود أنفسهم الذين اقتلعوا من مواطنهم الأصلية المختلفة وسيقوا كالأغنام إلى فلسطين لإقامة كيان مجرم عنصري يؤدي وظيفة إجرامية يعرضهم وغيرهم للخطر الدائم، رغم تآكل إمبراطورية الشر الاستعمارية البريطانية وانحصارها إلى جزرها الباردة، لازالت حكومتها الحالية لا تعترف بهذا الخطأ التاريخي بل الجريمة الشاهدة على إجرام بريطانيا، بل تتباهى وتحتفي بهذا الحدث الكارثي والعنصري المشؤوم، وترفض التكفير عنه، والالتزام إزاء الشعب الفلسطيني بالتعويض عما لحقه منه من أذى وكوارث ونكبات.

لقد صليت فجر هذا اليوم ودعوت ربي، أن يحلَّ عقابه بالدولة البريطانية وأن يُمزِّقها "شذر مذر" وأن ينزل بها وبساساتها المجرمين، عقابه الذي لا يرد ويشفي به غليل الشعب الفلسطيني الذي لازال يعاني من تلك الجريمة النكراء وتلك السياسة الشريرة التي وقع أثرها عليه، وعلى شعوب كثيرة تعرضت لاستعمار إمبراطورية الشر البريطانية على مستوى أنحاء عديدة من هذا العالم، والتي مثلت أعتى صُوَر إرهاب الدولة المنظم عبر التاريخ، لن يغفر لها شعبنا كما لن تغفر لها الشعوب الأخرى، ونقول لساسة بريطانيا اليوم أن عمى البصيرة الذي لازال يعميهم عن إحقاق الحق، لن يثني شعب فلسطين وكافة الشعوب المحبة للعدل والحق، والمكافحة من أجل الحرية والمساواة عن المطالبة بحقوقها وعن محاسبة بريطانيا على أفعالها الإجرامية والمشينة في حق الإنسانية، في نفس الوقت الذي نُحيي فيه كل من صحا ضميره من الشعب البريطاني ويسعى لتصحيح هذا الخطأ التاريخي الجسيم، ويعتذر لشعب فلسطين ويعترف بمسؤوليتها الأخلاقية والقانونية والسياسية، وما يترتَّب على بريطانيا إزاء هذا الاعتراف تجاه الشعب الفلسطيني، من تعويض ودعم حتى يتمكن من العودة إلى وطنه وبناء مستقبله وممارسته لحقه في تقرير المصير في دولة مستقلة ذات سيادة، يحيا بأمن وسلام شأن كل شعوب الأرض، وتستعيد أرض القداسة فلسطين حقيقتها التاريخية والاجتماعية والأخلاقية.