سيغضب البعض من كلمة ضحايا ولكنَّهم ضحايا دون أيَّ شك، هُم ضحايا الأنفاق وفي غزة من الطبيعي أن نجد للأنفاق ضحايا.

لا أتحدَّث عن شهداء الأنفاق، فهذا شأنٌ آخر، وإن كنتُ أرى ضرورةً لتحديد أدوات الصراع باعتبار أنَّها يجب أن تكون أدواتٍ سياسيّةً سلميّةً شعبيّةً بعيدة عن مربَّع القوة الإسرائيلي.

ضحايا الأنفاق الذين أتحدَّث عنهم اليوم هُم ضحايا اقتصاد الأنفاق، ضحايا تجارة الأنفاق، ضحايا مال الأنفاق، أتحدَّث عن صورة غير مرئية للنفق تكوَّنت في غزة تحت أنظار "حمـــــاس".

كنتُ قد حذَّرت عدّة مرّات من فكرة الأنفاق باعتبارها باتت عقلية ونهجًا وسياسة وتجارة.

سأتحدَّث اليوم عن تجارة الأنفاق في غزة، تلك التجارة التي جعلت البعض من السادة أصحاب الأنفاق يدخل نادي أصحاب الملايين بسرعة كبيرة، أتحدَّث عن تلك التجارة التي فَرضت على (أبو العبد هنية) في يوم من الأيام بأن يجتمع مع رابطة أصحاب الأنفاق ويَحثَّهم على تحسين مستويات الخدمة والسلامة، أتحدَّث عن تجارة كانت تُشكِّل دخلاً أساسياً لحكومة "حمــــاس" في غزة؛ برسوم ونسب مُتَّفق عليها، وللتوضيح هي رسوم يتم سدادهـــا لـ"حماس" في غزة مقابل تسهيل وتيسير أعمال النفق.

تجارة الأنفاق خَلَّفَتْ وراءها ضحايا كثر في عدة مجالات، وبعض الضحايا اتَّفقوا على تشكيل لجنة لاسترداد حقوقهم وأسموها لجنة ضحايا تشغيل الأموال، وهي لجنة ضحايا الأنفاق الذين فقدوا أموالهم في غزة، فيما سُمِّي بذلك الوقت قضية تجارة الأنفاق.

فقد المواطنون في غزة أموالهم بمشاريع وهمية تمَّت تحت أعين "حمــــاس". نُصِبَ على المواطنين بحجة الاستثمار في الأنفاق، وتمَّ إهمال حقوقهم في هذه القضية مما دفعهم للإعلان عن اللِّجنة المذكورة لمتابعة قضيتهم ومحاولة الحصول على حقوقهم.

ذكرتُ سابقاً أنَّ النفق عقلية ونهج وسياسة واقتصاد، وما كان يحصل في غزة في ذاك الزمن منافٍ للعقل ولأيِّ منهجية أو سياسة متَّبعة في العالم.

من جديد أكرِّر بأنَّ التجارة يجب أن تكون من معبر بري أو بحري، وأنَّ مرور الفلسطيني من دولة لدولة يجب أن يكون عبر البر أو البحر أو الجو وبطريقة رسمية وبكرامة تامة.

هذا ما نريد لأنَّنا نرفض عقلية ومنهجية وسياسة النفق ونرفض أن تتحول إلى تجارة أو مهنة وبالتالي لن يكون هناك أيَّ فرصة ليكون هناك ضحايا لتجارة الأنفاق.

أعلمُ بأنَّ البعض سيقول رداً على ما كتبت، بأنَّ النفق كان اضطراراً، وهذا صحيح، ولكنَّ البعض أَحَبَ الأنفاق أكثر من المعابر الرسمية لأنَّها أكثر تحقيقاً لما يريد.

مثلاً...

التهريب من خلال الأنفاق يدر أرباحاً أكثر من التجارة، وتهريب الممنوعات أسهل من خلال الأنفاق.

بكل الأحوال سَلَّطتُ الضوء على هذا الموضوع للتأكيد على أنَّ هناك صورة نمطية عن جهادية الأنفاق والمقاومة من الأنفاق، ولكن هذه الصورة ليست الوحيدة، فهناك تجارة الأنفاق، ورابطة أصحاب الأنفاق، وهناك تهريب الممنوعات من الأنفاق، وهناك النصب بحُجَّة الأنفاق.

طبعاً وكما أنَّ الصورة النمطية عن الأنفاق خاطئة ولا يمكن تعميمها، فلا يجوز كذلك التعميم بأنَّ كلَّ من استخدم الأنفاق استخدمها للتجارة والنَّصب والتخريب والاغتيال السياسي. هناك من أراد بها مصلحةً للشعب الفلسطيني في غزة، وإن ثبت بالممارسة الفعلية بأنَّ النفق يحمي من يختبئ فيه، ولا يحمي الناس، ولا يُمثِّل حماية للمواطنين، ويمكن للجميع سؤال أهلنا في غزة عن ذلك.

إنَّ كلَّ ما نُريده لشعبنا بأنَّ يعيش بحُريّة وسلام على أرضه، فيكون لنا مطار وميناء ومعابر معترف بهـــا، وجواز سفر مُعترَفٍ به، يسمح لنا بالتنقُّل بحُريّة واحترام في كلِّ دول العالم.