النقاط العشر التي أوردها وأكد عليها الرئيس أبو مازن، في خطابه النوعي من فوق منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثانية والسبعين، هي في حقيقة الأمر برنامج عمل كامل متكامل، تنبع أهميته وثوريته من واقعيته الشجاعة، وبرنامج العمل هذا طرحه الرئيس أبومازن أمام العالم أجمع في لحظة واحدة، هو ليس خطاباً عادياً أومجرد وجهة نظر في اجتماع فتحوي أو خلال اجتماع دوري عادي من الفعاليات الوطنية الفلسطينية، وهو أعمق وأبعد مدى من مجريات المصالحة الفلسطينية التي تزامنت فعالياتها الأولى مع توقيت هذا الخطاب، وبالتالي فإن الفهم العميق الشامل لهذه النقاط كبرنامج عمل واصطفاف جديد، تبدأ بمعرفة أن هذه النقاط العشر وردت متفرقة في خطابنا الفكري والسياسي الفلسطيني مرات عديدة، ولكنها المرة الأولى التي تعرض دفعة واحدة، ومن فوق أعلى منصة في العالم، وأمام جميع أطراف اللعبة السياسية، فلسطينيين وإسرائيليين، عربا ومسلمين، الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، دول العالم أجمع، وتقول لهم بصوت ثابت وواضح وشجاع انهم جميعاً، مع اختلاف في القدرات، مقصرون جداً في التعامل مع قرارات الشرعية الدولية وتنفيذها، وأنهم جميعاً مستمرون في الانهماك في ممارسة المعايير المزدوجة، وفي تكرار دعوات أخلاقية لا تلزمهم بشيء، وأكبر مثال على ذلك، أن الشرعية الدولية ممثلة بأعلى إطاراتها وهو مجلس الأمن الدولي، قد اتخذ في بداية العام قراراً بإدانة الاستيطان الإسرائيلي، وعندما اشترك كثيرون في العالم ومن بينهم كثير من الإسرائيليين في تنفيذ جزء من روح هذا القرار الذي رقمه 2334 ضمن حركة بي.دي.اس (مقاطعة البضائع والمنتجات الإسرائيلية من المستوطنات، وإدراج الشركات المساهمة في بناء المستوطنات في القائمة السوداء)، فإن الولايات المتحدة هي أولاً وقبل إسرائيل نفسها، هددت على أعلى مستوى بمعاقبة نشطاء ال بي.دي.اس بالويل والثبور!!! أين المصداقية ؟ أين احترام المعايير؟ بل والأغرب من ذلك كيف يقال ان هذا السلوك غير المنطقي لمصلحة السلام؟

البداية كما قال الرئيس ابو مازن من فلسطين التي هي أرضنا، ومن شعبنا كله، ليس في الضفة والقدس الشرقية، وقطاع غزة فحسب، بل على امتداد فلسطين التاريخية، وعلى امتداد كل فلسطيني من هذا الشعب الذي تجاوز عدده الاثني عشر مليوناً.

هذا اصطفاف جديد، لمرحلة نضالية جديدة، وقد يكون هذا البرنامج صعباً، ولكننا مررنا بما هو أصعب من هذا، ولم يكن لدينا هذا الحضور الدولي لعدالة قضيتنا التي تواصل النجاحات الكبيرة، وآخرها اللطمة التي وجهتها لإسرائيل بدخولنا بانتخابنا عضوا في البوليس الجنائي الدولي "الإنتربول" رغم حملة التضليل والأكاذيب التي قادها نتنياهو وأزلامه على امتداد العالم لإفشال نجاحنا، ورغم التهديد الذي أطلقه بأن نجاحنا يلزمه رد، وهو تهديد مثل غيره من التهديدات التي تكشف حقيقة إسرائيل وتسقط عن وجهها قناع كل الأكاذيب.

فإسرائيل في حالة انكشاف كبير وفي حالة افتضاح أكبر، فهي لا تعترف حتى بالشرعية الدولية التي أسست وجودها، فلتدفع الثمن الذي يعتقد من يقودونها أنها معفية من دفعه، لا شيء بالمجان، ولن يستمر الاحتلال بالمجان، بل إسرائيل عليها مواجهة تفاعلات الواقع الجديد، نتنياهو يعتقد أنه حقق نجاحاً مع أميركا بجعلها حامية التطرف والعنصرية الإسرائيلية التي يتخوف من توحشها كثير من الإسرائيليين أنفسهم، وهذا النجاح أعمى عيني إسرائيل عن كل بديل آخر.

وهذا الاصطفاف الفلسطيني الجديد مهيأ لأن يخلق حوله اصطفافا إقليميا ودوليا، ولعلنا في رحلة المصالحة الوطنية التي نتقدم فيها هذه الأيام وسط تشجيع مصري قوي، ومباركة عربية وإسلامية نتيجة تطورات جديدة في المنطقة، نوجه لهذا التعامي الإسرائيلي المسكوت عنه أميركياً لطمة كبرى، ويجب أن لا يسمح الكل الوطني الفلسطيني لصغار العملاء اختراق المشهد مرة أخرى.