في قضيةٍ مثل قضيّة فلسطين من الضروري وجود المعـــارضة.. معارضة للتصحيح، التقويم، التقييم، التحفيز، التعزيز، والأهم معارضة للمشاركة في الفعل الفلسطيني.

للتوضيح...

في قضيّة مثل قضية فلسطين، من الضروري وجود معارضة.. معارضة تحشد جزءًا مهمًّا من شعب فلسطين خلف فلسطين وقضية فلسطين، فوجود المعارضة مرتبط بالشخصية الفلسطينية التي لا تستسيغ أحيانًا المعروف لدى العامّة، والممكن والمتاح والواقع، وتسعى بذلك للتحليق خلف ما لا يمكن كطائر الفينيق الفلسطيني. ومن باب فهمنا لطبيعة الفلسطيني المعارض الرافض المتشكك بالقائم، وحتى لا نقع في فوضى الأفكار، وكي لا يتسلّل إلى عقولنا التطرُّف والتخلُّف، يجب أن تكون هناك معارضة وطنية تستوعب المعارضين بالفطرة وتحقق آمالهم في التعبير عن رفضهم بأسلوب حضاري له اشتراطات وطنية .

المعارضة مهمّة لنصون شعبنا من الضياع ونبعد شبح التطرف عنّا.

أكرر..

في قضية مثل قضية فلسطين المعارضة ركيزة وضرورة.. معارضة تتمتّع بعلاقات مع حركات التحرر في العالم فتحشدها لدعم فلسطين.. معارضة تتمتّع بعلاقات مع الأحزاب المعارضة في العالم لضمان التكامل في علاقات فلسطين مع كل الدول بالعالم.. معارضة ذات نكهةٍ ولونٍ ووعي واستقلالية سياسية تجعلها بعيدة عن التبعية للمال ولمنظمات التمويل، وبعيدة كل البعد عن التبعية للعواصم الخارجية على حساب القضية الوطنية .

وللتوضيح...

نحن بحاجة إلى معارضة تُعزِّز من حضور فلسطين بعيدًا كلَّ البعد عن التدخُّل في الشؤون الداخلية لأي من الدول، وبعيدًا كل البعد عن التبعية لأي دولة أو منظمة تسعى للتدخل في الشأن الفلسطيني الداخلي، وفي سياسته الداخلية والخارجية وفي قرارنا المستقل.

كذلك...

في قضية مثل قضية فلسطين، وجود المعارضة يُساعد القيادة السياسية على رفض ما يجب رفضه، وتحصين موقفها السياسي، وإذا كان لهذه المعارضة حضور سياسي حقيقي من خلال جمهورها أو من خلال حضورها لدى المنظمات والدول، فسيكون تأثيرها الداخلي والخارجي محل اعتبار عند التعاطي مع موقفهـــا .

نعم هناك ضرورة لوجود المعارضة حتى ولو كانت مُزعِجة لصاحب القرار الوطني، ولكن على المعارضة بأن تعي أن أدوات المعارضة الوطنية لا يوجد بها (عنف) و(تحريض) و(قوة)،  ويجب أن تكون أولوياتها هي أولويات الشعب، وأن تتمتّع بوعي سياسيٍ فلا تعتمد في أسلوبها أو خطابها على الشتم والشتامين .

فلا بطولة في الشتم والتحريض والتكفير والتخوين.

وإذا تحدثنا عن المعارضة الفلسطينية تبادر إلى الأذهان فورًا الحكيم جورج حبش. أكثر من عارض بوطنية عارمة وطاغية، جعلت لقضيتنا حضورًا أكبر و أقوى في كل المحافل. فكان القائد الحكيم جورج حبش والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في ذاك الزمن المثال للمعارضة القوية الواعية والمزعجة بأخلاقٍ ووطنية .

ومع وجود اختلافات وتباين في كل المراحل النضالية، ومع جبهتَي الرفض والإنقاذ ومع كل ما حصل، كانت هناك دومًا بوصلة فلسطينية خالصة، وكان هناك دومًا قبولٌ وإيمانٌ بأنَّ مَن يقود المركب لا خلاف عليه وإنَّما الخلاف معه. وبهذا كانت المعارضة قوةً لا ضعفًا وإضعافًا للموقف والقيادة والشعب.

نريد معارضة غير انقلابية تؤمن بالديمقراطية وتقبل الغير

نريد معارضة لا تشتم وإنما تنتقد بأخلاق ووطنية وصدف

نريد معارضة لا تُكفِّر ولا تخوِّن

نريد معارضة تفرح معنا بالإنجاز الوطني، وتقف مع القيادة عند المفاصل الحيوية، ولا نريد معارضة مختصة فقط بالمعارضة والتعليق والاستهزاء، فهناك من أبناء شعبنا من يهوي المعارضة لأنه يرى نفسه بموقع المعارض فقط، فإذا كانت أداة الصراع الكفاح المسلَّح، عارضَ وتحدَّثَ عن التعايش والدولة الواحدة والتقسيم، وإذا انتهجت القيادة طريق الدبلوماسية والمقاومة السلمية عارض وطالب بالكفاح المسلَّح.

بالمحصلة المعارضة ليست بطولة فيسبوكية فردية، ولا مظاهرة لمختصي الشتائم، وحتمًا المعارضة لا تكون بالسلاح والانقلاب وإطلاق النار فالمعارضة نهج وطني حضاري قادر على أن يجعل فلسطين وقضيتها أكثر حضورًا، نهجٌ قادرٌ على توحيد الشعب في الإطار الوحيد القادر على جمعنا، وأقصد به منظمة التحرير الفلسطينية .