في خضم الاندفاع نحو لملمة جراح الوطن، وإعادة الاعتبار للوحدة الوطنية، وطي صفحة الانقلاب الحمساوي عن محافظات الجنوب، قام الأخوين روحي فتوح وأحمد حلس، عضوي اللجنة المركزية لحركة فتح باللقاء مع ممثلي حركة حماس صلاح البردويل وفوزي برهوم، وسلموهما رسالة من قيادة حركتهم، كاستعاضة عن ذهاب الوفد السداسي، الذي كان من المقرر توجهه لغزة للقاء قيادة حماس. لاسيما وأن قيادة حركة حماس في القطاع وضعت العصي في دواليب اللقاء الثنائي، الذي رغبت به حركة فتح، بعد الإعلان على لسان الرئيس أبو مازن في البحرين، أثناء زيارته الأخيرة مطلع الشهر الجاري، بأنه سيضطر لاتخاذ إجراءات قاسية، إن لم تتراجع حركة حماس عن الانقلاب وخطواتها التعميقية له. وهو ما دعى اللجنة المركزية في الثامن من إبريل الحالي، لتشكيل الوفد المشار إليه برئاسة محمود العالول للقاء قيادة حماس في القطاع.

غير إن موسى أبو مرزوقـ، عضو المكتب السياسي، ومسؤول ملف المصالحة الوطنية، أكد للأخوين روحي وأحمد، إن مرجعية القرار في شأن المصالحة في قطر وليست في غزة، أي عند قيادة إقليم الخارج. مع أن الحقيقة ليست كذلك. لكن ذلك الإدعاء، هو خطوة ملازمة لما افتعلته حركة حماس من مظاهرات الردح والتخوين والفتنة في القطاع لقطع الطريق على وصول قيادة فتح للقطاع. مع ذلك تعاملت فتح بروح المسؤولية، وتجاوزت التعقيد الحمساوي، وتم ما أشير إليه آنفا.

المهم إن رسالة قيادة حركة فتح وصلت لحركة حماس، وتم تسريبها لوسائل الإعلام، ومضمونها: أولاً إلغاء اللجنة الإدارية نهائيا؛ ثانياً تسليم حكومة الوفاق الوطني مسؤولياتها كاملة في غزة؛ ثالثاً في أعقاب ذلك، يصدر الرئيس محمود عباس مرسوما بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية خلال ستة أشهر. وللرد على الاستحقاقات الثلاث الواردة مدة أسبوع تبلغ لمسؤول الملف الوطني، عزام الأحمد. وإن لم تلتزم بذلك عليها أن تتحمل نتائج قراراتها وسياساتها الانقلابية.

إذا الآن الكرة في مرمى حركة حماس، لاسيما وإنها، هي المعضلة الأساسية، التي تقف خلف الانقلاب منذ عشرة أعوام خلت، وهي ذاتها، التي تملك ورقة الحل عبر الاستعداد لدفع فاتورة المصالحة. لإن سياسة التضليل والالتفاف والتسويف والمماطلة لم تعد تجدِ نفعا. آن أوان الحسم، والتخلص من براثن الانقلاب والانقسام والتشرذم. ولم تعد القيادة الشرعية مستعدة لتحمل أعباء انقلاب مجاني وخمس نجوم. فإما الانقلاب والإمارة وإما العودة لحاضنة الشرعية الوطنية والشراكة السياسية. لا خيار ثالث بينهما ومعهما.

ورغم ميلي الدائم للتفاؤل، غير إني في محاولة لاستشراف الأفق فيما هو مطروح، فإني أميل لعدم التعجل بالتفاؤل، وأميل للتساؤل لاسيما وأن حركة حماس ترتكز في سياساتها إلى جملة من القواعد الناظمة لسياساتها وتوجهاتها: أولاً الارتباط بالأجندة الإخوانية ومحدداتها السياسية؛ ثانياً ترفض الشراكة السياسية تحت أي اعتبار ومسمى، لإنها ترفض التوطن في المشروع الوطني؛ ثالثاً ليست مستعدة أو لنقل القوى المتنفذة لإعادة الروابط والشراكة مع الشرعية الوطنية، لإن امتيازاتهم وخيارهم الإخواني وأجندتهم الإقليمية، لهما الأولوية على الموضوع الوطني؛ رابعا إدراكها أن دولة التطهير العرقي الإسرائيلية ليست معنية بإنهاء إنقلابها وسيطرتها على قطاع غزة، لا بل هي تعمل على تعميق الإنقسام في الساحة الوطنية، لان ذلك يخدم مشروعها الاستعماري الإستراتيجي؛ خامساً لم تحسم إدارة ترامب توجهها تجاه تنظيم الإخوان المسلمين، كتنظيم إرهابي، لان الدولة العميقة الأميركية ودول غرب أوروبا وخاصة حليفتها بريطانيا، التي ساهمت في نشوء جماعة الإخوان المسلمين، وفي إحتضانهم طيلة العقود التسعة الماضية، ليست مع توجه الإدارة الجديدة. وبالتالي هذا يساهم في عدم تعجلهم العودة عن خيار الإمارة الحمساوية؛ سادساً أضف لذلك ممارسات وإجراءات حماس المتواصلة المعادية لأي موقف متعارض مع سياساتها الفئوية والانقلابية، ولعل اختطاف المناضل محمود الزق يوم الخميس الماضي من قبل ميليشيات حماس ليعكس هذا التوجه.

ارتباطاً بما تقدم، يصعب التبشير بانفراجة سياسية. وبالتالي مطلوب من القيادة الشرعية اتخاذ خطوات حازمة بعد إنتهاء المدة المقررة للرد. ويفترض على القيادة والحكومة الشرعية التنبه للمناورة الحمساوية المفضوحة.