منذ كان إنقلاب حركة حماس على الشرعية الوطنية في محافظات الجنوب اواسط حزيران/يونيو 2007، وقيادتها ترفض رفضا قاطعا تمهيد الطريق للمصالحة الوطنية، رغم إتهامها الدائم والمتكرر لقيادة منظمة التحرير عموما وحركة "فتح" خصوصا ب"تحمل" المسؤولية عن فشل المصالحة، ولم يكن قبولها لورقة المصالحة المصرية 2011 او إعلان الدوحة 2012 او إعلان الشاطىء 2014 او الموافقة على تشكيل حكومة التوافق الوطني في حزيران 2014، إلآ نوعا من الخداع والتضليل والإلتفاف على القوى الوطنية، وإيهامها بأن فرع جماعة الإخوان المسلمين "مستعد" للمصالحة، مع ان كل الوقائع على الأرض في قطاع غزة أكدت للقاصي والداني، للساذج والبسيط، للذكي ولغيره من المواطنين بأن حركة حماس ليست صادقة فيما تدعي. وبقيت تفرض قيودها وسيطرتها الإنقلابية على القطاع الحبيب ولم تسمح حكومة الظل بقيادة زياد الظاظا (قبل إزاحته في الإنتخابات الأخيرة للحركة عن موقعه) لحكومة الرئيس ابو مازن بممارسة مهامها، لا بل وضعت القيود تلو القيود عليها، وقام الظاظا بحجز وزراء الحكومة في فندق الموفنبيمك (غزة) ومنعهم من التواصل مع المواطنين وحتى عندما وافقت حركة حماس العام الماضي على إجراء الإنتخابات البلدية والمحلية في إكتوبر الماضي، التي أُجلت لإسباب مختلفة، لم توافق رغبة منها بالإنتخابات ولا حرصا على تعزيز العملية الديمقراطية، إنما كانت مناورة جديدة لتعويم مؤسسات إنقلابها الأمنية والقضائية، فضلا عن تحميل أعباء البلديات والمجالس المحلية والقروية للسلطة وحكومتها.
وتكريسا لما تقدم، ما صرح به، وأعلنه صلاح البردويل، عضو المكتب السياسي لحركة حماس من تشكيل هيئة قيادية من زمر الإنقلاب الأسود لإدارة محافظات القطاع. وكان سبقه محمد فرج الغول، عضو كتلة التغيير والإصلاح بالإعلان عن تغيير مواد النظام الأساسي وخاصة ما يتعلق بالقانون والقضاء، و"إسقاط" مرجعية الرئيس محمود عباس، رئيس الشعب المنتخب في القضايا السيادية والإعدامات وغيرها، وذلك بهدف إستباحة القانون والنظام العام، وللتأصيل للإمارة السوداء في قطاع غزة، وفي السياق ذاته، اعلن الدكور محمود الزهار، عضو المكتب السياسي للحركة في غزة، انه لن يسمح بسيطرة حرس الرئاسة او الرئيس عباس على المعابر. وتناغم ذلك مع عقد مؤتمر إسطنبول الشهر الماضي لتوسيع دائرة التطويق للشرعية الوطنية، وليكتمل المخطط العام لحركة الإنقلاب الإخوانية وحلفائها من العرب والمتأسلمين بهدف زعزعة الشرعية الوطنية، وخلق البديل عن منظمة التحرير الفلسطينية.
هذا التحرك المشبوه والمتناقض مع مصالح وأهداف الشعب العربي الفلسطيني الآن، لم يأت من فراغ او نتاج ردود فعل آنية، إنما هو جزء لا يتجزأ من مشروع أعم وأعمق بالتكامل المباشر او غير المباشر مع حكومة الإئتلاف اليميني المتطرف الحاكم في إسرائيل للإنقضاض على المشروع الوطني برمته. حيث تعتقد حركة حماس ومن لف لفها، بأن اللحظة باتت مهيئة لفرض سياسة الأمر الواقع، وتشريع دويلة غزة المرفوضة جملة وتفصيلا من الشعب الفلسطيني بكل مكوناته. وبالضرورة لن يمر مشروع حركة الإنقلاب، لإن الشعب والقيادة الشرعية وحلفائهم من الأشقاء والعالم لن يسمحوا بذلك.
ما تقدم ليس تجنيا على حركة حماس ولا إسقاطا ارادويا على المشهد، إنما تدعمه الوقائع والشواهد، رغم أن بعض القوى السياسية تحاول تحت عباءة السياسة الذرائعية لي عنق الحقيقة، وتغمض العين عن إنتهاكات فرع جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين، او تحاول حرف القراءة الموضوعية لمجريات الأحداث، وبالتالي تضع رؤوسها في الرمال. مع ان اللحظة السياسية تحتم على الكل الوطني الوقوف بجرأة وشجاعة لمجابهة التحديات المختلفة وعلى رأسها مشروع إمارة الإخوان المسلمين في غزة، وهو ما يستدعي ايضا من القيادة الشرعية التحرك بسرعة على كل الجبهات لوأد الخطوة والإنقلاب بشكل نهائي.