لم يكن اللقاء بين الرئيس الأمريكي "ترامب" ورئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" لقاءا عاديا بل من الممكن أن نحفر في تاريخ العلاقات الدولية الكثير منذ هذا اليوم التعس يوم 15/2/2016 حيث كان المؤتمر الصحفي بين الرجلين وكأنه حوار ثنائي لطيف بين حبيبين، يحاول كل منهما جذب الآخر وعدم إزعاجه فما بالك بإغضابه، وعدم الابتعاد كليا عن منطقة التلاقي التي تجمعهما بمودة وكثير مشقة حين التعبير عن المواقف السياسية "المتمايزة" وليست "المتعارضة" والتي يمليها عليهم كيفية الظهور أمام الرأي العام، وليس أمام ذواتهم العنصرية التي لو أتاحوا لها العنان لقالت الكثير الكثير الذي نعرفه جيدا ونتعامى عن رؤيته وكأننا نربط أعيننا بعصابة وفكرنا بغلالة ولم يبقى لنا سياسيا إلا الجري وراء السراب.

كان المؤتمر الصحفي بين صديقين حميمين إن لم يكن عاشقين أكدا على عمق العلاقة بين بلديهما العظيمين وروابطهما الأكثر من متينة وتقاطعا كليا في إدانة (الإرهاب الإسلامي) والتحريض الفلسطيني في المدارس كما يسمونه، وبالطبع بعمى كامل عن الاحتلال والأبارتهايدية التي تمارسها دولة (إسرائيل) رمز الديمقراطية في الشرق الأوسط كما أشارا.

استطاع كل من الرئيس (ترامب) ونتنياهو أن يعرضا ما يتوافقان عليه إضافة لما سبق أن اعتبرا إيران العدو الرئيس مع الإرهاب المتخصص به المسلمون فقط، وكأن الإرهاب الأمريكي العالمي أصبح نسيا منسيا كما الإرهاب الصهيوني اليومي.

وذهبا أبعد من ذلك إلى محاولات الافتراء على الأمة العربية بادعاء "نتنياهو" المتكرر أن العرب لا يرون (إسرائيل) عدوا بل حليفا داعيا لحل إقليمي بمعنى أن يتجاوز الحل الفلسطيني بمنطق ما قاله من دولة إسرائيلية على كامل الأرض الفلسطينية أي على كامل فلسطين يعيش فيها الفلسطينيون وهم من السكان المقيمين وليس المواطنين بالدرجة العاشرة بلا ندية ولا حقوق ولا أرض في أي مكان تماما كما الحال السابق من عنصرية وابارتهايدية في جنوب إفريقيا وكأن الطرفان يحتفيان بالعودة إلى الخلف وإعادة تأهيل العالم للنظام الاحتلالي العنصري والمستند لخرافات وأكاذيب التوراة التي لم تصمد أمام العلم والآثار، وهي الخرافات التي أشار لها نتنياهو مؤكدا على أن الأرض كلها أرض فلسطين ل"هم" فقط، ولا أحد من المتحدثين على المنصة يستطيع أن يجزم من "هم" في حقيقة العلم والتاريخ!

إيران وحزب الله والكراهية الفلسطينية والمقاطعة الموجعة، وقرارات الأمم المتحدة التي تعد من ابرز انجازات الرئيس أبو مازن مثلت العدو الحقيقي في رأي الطرفين كما الحال من عدم الاعتراف الفلسطيني بأن أرض فلسطين كلها هي أرض (إسرائيل) كما يدعي نتنياهو في مقولته المخادعة بدولة يهودية ديمقراطية، أي عنصرية وديمقراطية معا ما لا يستقيم أبدا.

لجأ نتنياهو كعادته للاحتيال على التاريخ والكذب الذي أدمن عليه بالغرف من موسوعة التاريخ التناخي-التوراتي الخرافي.

(عالم الآثار الإسرائيلي إسرائيل فنكلستاين وزميله نيل أشر سبيلبرغ، وزميلهما الثالث زئيف هرتزوغ، بل والمؤرخ الإسرائيلي أيضا شلومو ساند يعتبرون كثير من أسفار التوراة خرافات وأحلام وآمال وأساطير شعبية، وينكر الأخير بالدليل كليا وجود شيء بالتاريخ اسمه "الشعب" اليهودي أو "أرض" لقبيلة إسرائيل، وإسرائيل هي القبيلة العربية اليمنية المنقرضة ليست ذات الصلة مع معتنقي الديانة اليهودية اليوم)

قلنا أن نتنياهو متأثراً بوالده عالم التاريخ المزور غرف من أساطير التوراة فألقى بقنبلته التاريخية-الجغرافية-الدينية التي انفجرت بسلاسة، ظنا منه أن العالم ما زال غبي، حين قال أن اليابانيين من اليابان والصينيين من الصين مثل اليهود من يهودا (المسمى التوراتي المخادع للضفة من فلسطين) ما يعني شرعنته للاستيطان والضم.

فهو يبني في "يهودا" بلده! وهو إن ضمها فهذا حقه لأنه ليس محتلا أبدا! وكيف يحتل الشخص بلده! ما يعني أنه يديّن الصراع ويرجعه لترهات وأساطير بينما الحقيقة تقف فقط عند أبواب قرار الأمم المتحدة عام 1947 الذي قسم بلادنا فلسطين -لاحظ قسم فلسطين- لدولتين هنا مربط الفرس ومن هنا فقط البداية لا غير وما سبق ذلك من ترهات لا تستقيم وان عدنا للتاريخ نستطيع أن نحاجج هذا المتحاذق على التاريخ بان هذه الأرض اسمها فلسطين نسبة للفلسطينيين العرب الأقحاح أتباع الإله فلس وما القبائل الأخرى إلا تبع لها ولقبائل الكنعانيين واليوسيين.

إن حل الاستقلال الفلسطيني على جزء من أرض فلسطين يستند للقبول العالمي والشرعية الدولية وان القبول بدولة بالأمم المتحدة وفق القرار 242 يعني القبول بالأخرى فتظهر المساحتين لأرض فلسطين بيد الدولتين.

أما إن كان السعي لدولة ديمقراطية واحدة على أرض فلسطين فهي لن تكون إلا دولة ديمقراطية مدنية لكافة الأديان، ومع عودة اللاجئين لديارهم متساوين كليا في الحقوق والواجبات والأرض بالقانون وليس وفق الرؤيا ""النتنياهوية" التي ترى دولة واحد بنظامين، الثاني منه لا يخرج عن حد المنطقة الخاضعة لحكم ذاتي بلدي محدود.

ما يجب أمامه تعرية هذا الكيان الفاشي الاحتلالي العنصري الاستيطاني بإستراتيجية كفاحية نضالية وطنية موحدة وعربية قبل أن نتشعبط على حبال الغرب ونتوه.

فنحن الاولى بأن نحدد إستراتيجيتنا النضالية الكفاحية القادمة وبتغيير الأدوات إذ أن المطلوب من حركة "فتح" ومن "حماس" العودة لجذور فكرهما، والعمل معا ومع كافة الفصائل ومع الأمة العربية لنستطيع أن نفتح الباب بالغد على شمس مشرقة وليس على صقيع مهلك.