القرار الأممي الأخير والذي صدر قبل أيام بإجماع الدول الأعضاء ووقوف الإدارة الأمريكية موقف الحياد، يبرز اندماج النظريتان السياسيتان الواقعية والمثالية في صدور القرار.

فلقد انحازت الدول المعنية لأخلاق وقيم الإنسانية لعدالة الموقف الفلسطيني، وكانت تلك المعايير هي الأقوى التي استندت لها الإدارة الأمريكية في عدم استخدامها "الفيتو" ضد قرار يخص القضية الفلسطينية، وفي المقابل فإن الاحتلال الإسرائيلي الذي اعتمد في سياسته على القوة المطلقة العسكرية والسياسية والإعلامية والاقتصادية والعلاقات وكل ما يمنع إصدار أي قرار يدين تصرفاته ونهجه الاحتلالي، وصف الموقف الأمريكي بأنه (انقلاب) حقيقي وقال عنه نتنياهو بأنه "غدر"، واستخدم رد فعل سريع بأن توعد الدول التي قامت بالتصويت بنعم، وعمل على استدعاء السفراء لهذا الغرض.

ولأن السياسة الدولية عبارة عن تعقيدات وتحالفات وكثير من الاشتباك القانوني والإنساني، فلقد تسلحت السياسة والدبلوماسية الفلسطينية بتراكمات القرارات "ذات الصلة"، والتي تخص القضية الفلسطينية، وكونها دولة عضو مؤقت تحت الاحتلال، واستمرت في مواجهتها للعنجهية الاحتلالية وبما يسمى بــ"القوة السياسية الناعمة"، وكانت هذه هي أهم المفاتيح القوية والصلبة التي استخدمتها القيادة الفلسطينية، بعدما توقفت المفاوضات ورفضت (إسرائيل) الإفراج عن الدفعة الأخيرة من الأسرى، وتنصلت من التزاماتها، وتزامن ذلك بانحياز الإدارة الأمريكية لها، فكان القرار الفلسطيني ومنذ سنوات أن أي مفاوضات أو لقاءات يجب أن تستند إلى المرجعية والشرعية الدولية.

هذا القرار2334، يستبق استلام الرئيس الأمريكي الجديد " ترامب" لمهامه، ويستبق تنفيذه لتهديداته وخاصة بما يخص السفارة الأمريكية ونقلها إلى القدس، ويضع القضية الفلسطينية ورقة الأولى في معادلة الصراع، وبالتالي فإن 2334 قرار ليس من السهل تخطيه، لأن هناك عالم آخر بعيد عنا يحمل قضيتنا بقوة وبوضوح ويقول بكل ثقة وتحدي "سوف نقاتل من أجل صدور القرار"، وبالتالي فتوجس وتخوف البعض من القرار وتداعياته، لا يلغي أهميته وأهمية البناء عليه.

وفي عالم السياسة هناك توازنات المصالح والتي ترتبط بالاقتصاد، ونرى اليوم أن القوة العسكرية الأمريكية لم تعد هي العامل المؤثر الوحيد في العالم عامة وفي منطقة الشرق الأوسط خاصة، بل هناك تحالفت جديدة في غالبها تمثل "قوى اقتصادية" تعتبر خيارات مفتوحة لكثير من دول العالم، ويمكن للدول العربية وخاصة دول الخليج العربي أن تستفيد منها، وتحمل معها القضية الفلسطينية وتدافع عن حق شعبنا الفلسطيني في الحرية والاستقلال.

إن المنطقة تجتاحها متغيرات وتغييرات واسعة وملحوظة، وسر قوة القضية الفلسطينية واستمرارها، في المرونة والواقعية التي كانت عنوان السياسة الفلسطينية ولازالت أهم عنصر في الحراك الدبلوماسي الفلسطيني لإزالة الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف