سعت إسرائيل مؤخرا لتكثيف جهودها للتغلغل في إفريقيا لتعزيز نفوذها وثقلها دوليا، في ظل المتغيرات الجديدة في المنطقة العربية والانشغالات الداخلية، التي وفرت لسلطات الاحتلال فرصة لتسارع في بناء علاقات جديدة والتي كانت آخرها غينيا، ولتسطيع توظيفها سياسيا لكسب مواقفهم في المنظمات الدولية لمواجهة سعي القيادة الفلسطينية لتدويل القضية الفلسطينية.
وفي هذا الشأن، عقب عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير جميل شحادة على هذه التطورات بقوله: إسرائيل أدركت بعد الحراك السياسي الفلسطيني الأخير الذي واكب الاعتراف الأممي بدولة فلسطين والتأييد الواسع لدول افريقيا للمطالب الفلسطينية بأهمية هذه القارة ودولها، بعد أن كانت لا تعيرها مسبقا ثقلا سياسيا، وبذلك أدركت ثقل وأهمية الدول الافريقية في دعم القضية الفلسطينية ومدى تأثيرها.
وأضاف: من هنا بدأ المنحنى في النظرة إلى العلاقات مع إفريقيا إسرائيليا، بالإضافة إلى الاستثمارات الاقتصادية في دول القارة السمراء.
وقال: إن الأحداث التي تشهدها المنطقة العربية بشكل عام أثرت على صورة ومصالح الدول الافريقية مع الدول العربية ما ينعكس على القضية الفلسطينية بكل تأكيد.
وتابع شحادة: إسرائيل أدركت أن هناك قلقا من جانب الدول الافريقية على أمنها، في ظل الوضع الحالي في الدول العربية وإسرائيل اعتبرت ذلك فرصة ذهبية لطمأنة دول افريقيا من قلقها الأمني ومليء الفراغ السياسي والاقتصادي الذي كانت تشغله كثير من الدول العربية.
وأكد أن الرئيس محمود عباس والقيادة يدركون أهمية الحفاظ على هذه العلاقات ومنع المخطط الاسرائيلي من التواجد في الدول الإفريقية، وكان هناك علاقات مميزة بين العديد من الأطراف العربية سواء دول شمال افريقيا وفي مقدمتها مصر أو الدول العربية الأخرى وتعززت العلاقات الفلسطينية الافريقية من خلال علاقة الثورة الفلسطينية بدولة جنوب افريقيا ونيجيريا وبعض الدول الأخرى التي كان لمنظمة التحرير تمثيل سياسي معها.
وأضاف شحادة: يجب في هذه المرحلة الحساسة حث الدول العربية على تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية مع دول افريقيا، وهذا بالتأكيد سيلقى تجاوبا كبيرا من دول افريقيا التي تعودت تاريخيا أن تكون الى جانب القضية الفلسطينية وجميع القضايا العربية.
وتابع: المطلوب من الدول العربية بما فيها الافريقية والمملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي تطوير علاقاتها ووجودها كونه يمثل رصيدا حقيقيا للقضايا القومية العربية بشكل عام خاصة في ظل الهجمة التي تشهدها بعض الدول العربية بسبب الإرهاب.
بدوره، أكد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، مفوض العلاقات العربية والصين الشعبية عباس زكي أن دول إفريقا باستثناء دولتين قاطعت إسرائيل عقب النكسة عام 1967م، وأن توقيع اتفاقية كامب ديفيد فتح المجال لدول افريقيا لإعادة العلاقات مع اسرائيل من جديد لتأتي مرحلة جديدة وهي ترويج إسرائيل لوجود تحالف عربي إسرائيلي جديد واستغلال ذلك في الانفتاح على إفريقيا.
وشدد على وجود التفاف أميركي وإسرائيلي لاشغال الفلسطينيين في موضوع المفاوضات وأن تقوم إسرائيل بالتوسيع على الأرض من خلال الاستيطان وفتح علاقات مع دول الجوار بما فيها إفريقيا.
وقال زكي: إن جولة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في إفريقيا وزيارته الدول التي ينبع منها نهر النيل ولقائه رؤساء دول إفريقية خطير للغاية ليس على القضية الفلسطينية فحسب، بل على المنطقة العربية بشكل عام وتحديدا مصر التي سيصبح نتنياهو يتحكم في مياه النيل مستقبلا.
وتابع: إن ثمار هذه الجولة بدأ نتنياهو يقطفها باعتراف غينيا باسرائيل وإقامة علاقات دبلوماسية معها، اضافة إلى نشر معلومات عن دول أخرى بصدد إقامة علاقات مع اسرائيل.
وأضاف: يجب على الفلسطينيين والعرب التحرك بشكل جدي وفق استراتيجية واضحة على ضوء الخطر المحدق بالسيطرة على القارة الافريقية، وهذا الموقف ليس فقط ضد القضية الفلسطينية إنما هو ضد المجموع العربي من المحيط إلى الخليج.
وأوضح زكي أن فلسطين عضو دائم ونائب للرئيس في منظمة الوحدة الافريقية وأن إسرائيل الآن تطالب أن تكون عضوا مراقبا فيها بعد أن كان يُنظر إليها أنها شكل من أشكال المد العنصري، وهذا يؤشر على أنها تسعى لاحتلال مكاننا في كل المواقع.
من جانبه، اعتبر استاذ العلوم السياسية الدكتور علي الجرباوي أن العلاقة الفلسطينية الافريقية شهدت تراجعا لأسباب موضوعية أهمها انتهاء ثنائية القطبية، وأن العالم تغير وهناك أسس جديدة تبنى عليها العلاقات بين الدول وليس فقط على المواقف الايدلوجية وإنما المصالح ايضا.
وقال:" هذه الدول في ظل المتغيرات أصبحت تحركها مصالحها أكثر من مواقفها الايدلوجية، لذلك إسرائيل لديها ما تقدمه ماديا لدول في افريقيا في ظل الامكانيات المادية الفلسطينية المتواضعة".
وأضاف: من ناحية أخرى لا نستطيع أن نهمل المسؤولية عن تباطؤ العلاقة مع الدول الافريقية وعدم متابعة هذه العلاقات وكأن تأييدها مضمون، لأنه لا توجد علاقة مضمونة فعليا وهذا ما حصل مع دول عدة، لأن لدينا تفكير بأن العلاقات تسير كما كانت في السبعينات.
وتابع: ربما لا نستطيع أن نواجه إسرائيل بقدراتها المادية ولكن يجب أن يكون عملنا الدبلوماسي غير تقليدي في ظل هذه الامكانيات المحدودة، فلدينا سفراء أكثر مما لدى إسرائيل في افريقيا، وعلينا معرفة ماهي مصالح الدول معنا وماذا تريد منا.
وأشار إلى أن تدويل القضية الفلسطينية تعتمد على الحلفاء الدوليين ومدى قدرتنا على أن نصدر القرارات اللازمة في المحافل والمؤسسات الدولية وهنا الأصوات مهمة، وهذه العلاقات تفيد عندما تحتاج التأييد في القرارات.
وأوضح الجرباوي أن إسرائيل باختراقاتها الحالية تحاول أن تعزز وتغير مكانتها في العالم بعد فترة من العزلة، حتى أصبحت ترأس لللجنة القانونية في الأمم المتحدة وهي من أهم اللجان ومهمتها أن تراقب انتهاكات الدول للقوانين الدولية بالرغم من أنها الدولة الوحيدة التي تحتل شعبا آخر.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها