أرض بلا شعب أرادها الصهاينة ومنحها بلفور دون تحديد مصير الشعب الفلسطيني، فكانت القضية الأساسية هي مصير الانسان قبل مصير الأرض، وإن كل الحلول السلمية طرحت حل الدولتين دون تحديد واضح لمصير الانسان الفلسطيني. إن مصداقية حل الدولتين تسقط في امتحان حق تقرير المصيرللاجئ الفلسطيني، اللاجئ القديم واللاجئ الحالي واللاجئ المستقبلي يتمسكون بحقهم ويسقطون خيار الدولتين؟

منذ بداية الانتداب البريطاني على فلسطين، ولأكثر من أربعة أعوام تقاطرت الوفود الفلسطينية على العاصمة البريطانية لندن مطالبة إلغاء وعد بلفور وتقديم توصيات بحق الشعب الفلسطيني بأرضه، لكنها فشلت في إيجاد قرار بريطاني منصف للشعب الفلسطيني، بل أن البريطانيين بدأوا عمليا في صنع شرق الأردن كخيار مقبول مستقبليا لمشروع الوطن البديل، من خلال وجود قيادة مهادنة وخلق فرص العمل مع تقليلها في غرب الأردن، وبدأت إرهاصات سحب الأرض من الفلسطينين بقوانين تمليك الحكومة الأرض المشاع والأوقاف الإسلامية (سُحِب الموقوف على الأوقاف مثل الأسواق والمزارع).

وفي جانب آخر رأى خبراء السلوك الاجتماعي البريطانيين أن قضية الإحلال لابد أن يكون متبادلة حتى تنجح، ومن هنا سعى البريطانيون إلى فتح باب الهجرة الطوعية للفلسطينيين خارج المنطقة العربية وخاصة إلي أمريكا اللاتينية وكندا، كما كانت سياسة النفي للقيادات السياسية الفلسطينية إلى خارج المنطقة العربية خطوة أولى تبعتها فتح باب الهجرة القسرية لطبقة الصفوة من مثقفين ورأسماليين إلى الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا بعد اختلاق مشاكل وهمية لهم في فلسطين وهم أول فئة فلسطينية تعرضت للاعتقال الإداري. وكانت شروط التهجير تشمل منع عودتهم إلي فلسطين قبل إصدار قرار محكمة يمنحهم هذا الحق، كما أن سحب الجنسية الفلسطينية شمل قبائل بدوية اعْتُبِرتْ أردنية أو مصرية أو عراقية خلال الحرب الأوروبية -العالمية- الثانية، فضلا عن الخطوات المماثلة التي جرت في تهجير قسري للمناطق المحاذية للجولان السوري وبدو الشمال مثل عرب صبيح والزعبي. وقد نكون بحاجة لكتابة دراسة شاملة لكل فلسطيني تعرض لتهجير قسري من قِبَل الانتداب البريطاني.

الغريب أن الميثاق القومي الفلسطيني يركزّ على تاريخ 1947 عند ذكر المتواجدين أثناء قرار التقسيم من العرب لتعريف من هو الفلسطيني، رغم أن القيادة الفلسطينية كلها كانت خارج أرض فلسطين، كما أن هناك أعدادا من الثوار الفلسطينيين كانوا بالعراق وسوريا بغرض التدريب العسكري، إضافة لكل المنفيين (باللغة القديمة) أو المهجريين (بلغة الأمم المتحدة).

 بين مصطلحات مُهَجَّر ومنفي وشارد، توزع الفلسطينيون بعد النكبة ولم يصلوا لمرحلة لاجئ بعد، وفق القانون الدولي لحين تشكيل الأونروا في عام 1949. وحتى هذا المصطلح لا يعطي الفلسطيني كامل حق اللاجئ بالعموم مثل باقي لاجئي العالم التابعين للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وحده الفلسطيني له هيئة دولية خاصة به ذات تعريف خاص باللاجئ سُمي اللاجئ الفلسطيني، وهي الهيئة الدولية الوحيدة التي غيّرت مفهوم وحقوق اللاجئ، لكنها أقدم مؤسسة دولية اعترفت بخصوصية فلسطين وأن شعبها يُسمى الفلسطينيين وهو مُهَجَّر من أرض فلسطين التي كان يحكمها الانتداب البريطاني.

وفي دراسة موازية للحلول السلمية لحل القضية الفلسطينية قبل النكبة لم يُطْرَحْ حق عودة المنفيين الفلسطينيين، كما أن الحلول السلمية بعد النكبة كانت تذكرهم ضمن حل شامل، وأن حل قضيتهم تكون مسألة تحصيل حاصل. والغريب أن حل الدولتين من الناحية الفكرية يناقض حق العودة إذا قضت ضرورة حل الدولتين إبقاء الغالبية اليهودية للدولة العبرية، كما أن قضية إبقاء جزء من المستوطنين الصهاينة ضمن الدولة الفلسطينية يعد خارج حدود المقبول إسرائيليا، على حد قول الأمريكيين بعد كامب ديفيد الثانية، بل أن الصهاينة يطرحون تطهير دولتهم من الفلسطينيين ونقلهم إلي الدولة الفلسطينية. وهنا يأتي الحديث عن: من هم الفلسطينيون؟ هل هم مجموع عرب 48 أم هم الجزء المُهّجَّر منهم؟ وهذا الجزء يشمل على من تهجر عام 1948 إلى مناطق أخرى داخل الخط الأخضر والبدو الرحّل في وسط وجنوب الخط الأخضر وأيضا سكان مدينة القدس وهم بأقل تقدير ربع مليون نسمة يطلق عليهم لقب اللاجئين الفلسطينيين المستقبلين.

هل يكون الصهانية منطقيين بأن يطرحوا أنهم على استعداد بقبول سيادة فلسطينية على أرض بلا شعب؟ وهل طرح القضايا يكون بإيحاء المعنوي؟ هل القدس تعني أرض القدس أم أنها شعب القدس أم هي شعب الفلسطيني وأرض مدينة القدس؟ هي ليست لعبة ألفاظ بل استراتيجية تفاوضية نتمسك بها. فالمقدسي مكانه القدس لا رام الله. كما أن أزمة قطاع غزة حرية الإنسان قبل أن تكون حرية الأرض.

وفي المتجهات الدولية التي ميّزت بين اللاجئ الفلسطيني وباقي اللاجئين منذ بداية تشكيل أونروا حتى أزمة اللاجئين في أوروبا الشرقية هذه الأيام، يُطرح سؤال ملحّ على منبر الأمم المتحدة وكل المنابر الأممية والدولية: متى يتساوى اللاجئ الفلسطيني مع باقي اللاجئين؟ ومتى ينتهي عصر التهجير القسري للفلسطينيين؟